قصة قصيدة دعوتك يا مولاي سراً وجهرة:
أمّا عن مناسبة قصيدة “دعوتك يا مولاي سرا وجهرة” فيروى بأنّه وبينما كان محمد بن قيس العبدي في مزدلفة، وكان وقتها راقد يريد أن ينام، فكان كأنه بين النائم واليقظ، وبينما هو كذلك سمع صوتًا من بعيد لامرأة تبكي بكاءً متتابعًا، وتتنفس نفسًا عاليًا، فخرج من خيمته، وأخذ يتتبع الصوت، حتى وصل إلى مصدر هذا الصوت، وعندما وصل إذ هو بجارية جميلة، كأنّها الشمس في حسنها وجمالها، وكان معها عجوز، فجلس على الأرض ينظر إلى هذه الجارية، وبينما هو كذلك سمعها وهي تنشد قائلة:
دعوتك يا مولاي سرًّا وجهرةً
دعاء ضعيف القلب عن محمل الحب
بُليت بقاسي القلب لا يعرف الهوى
وأقتل خلق الله للهائم الصب
(لم تجد الشاعرة من سبيل إلى قلب محبوبها، فأتت الحج تدعو ربها أن يصلها بمحبوبها، وهي ضعيفة القلب من ما هي فيه من حب له، وحبيبها قاسي القلب عليها، فهو لا يحبيها كما هي تحبه) .
فإن كنت لم تقض المودة بيننا
فلا تخل من حب له أبدًا قلبي
رضيت بهذا في الحياة، فإن أمت
فحسبي ثوابًا في المعاد به حسبي
( وتدعو الشاعرة في هذين البيتين ربها إن لم يحبها حبيبها كما هي تحبه، بأن يخرج حبه من قلبها، وإن لم يحصل هذا فهي راضية بذلك، وإن هي ماتت فيكفيها أن تكون له في الحياة الآخرة)
وبقيت الجارية تردد هذه الأبيات، بينما هي تبكي، فقام إليها محمد بن قيس، وقال لها: بنفسي أنت، أوجه كوجهك يمتنع عنك من تحبينه؟، فقالت له الجارية: نعم والله، فقال لها: يا أختاه، إنّ هذه الليلة هي آخر ليلة من ليالي الحج، فوالله لو أنّك سألت ربك بما أنت فيه، رجوت أن يذهب حب من تحبين من قلبك، فقالت له: يا أخ، عليك بنفسك بطلب ما أنت راغب به، فإنّي والله قد قدمت ما أرغب به إلى من لا يجهل ما أريده، فإنّي والله قد أتيت إلى الحج لدعاء ربي في أن أنال مرادي من محبوبي.