قصة قصيدة “صاح حي الإله حيا ودودا”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “صاح حي الإله حيا ودودا” فيروى بأن أبو دهبل الجمحي، خرج في يوم يريد الغزو، وقد كان أبو دهبل من الرجال الصالحين، جميل المظهر، ووصل أبو دهبل إلى قرية تدعى جيرون في شمال سوريا، وأقام فيها، وبينما هو هنالك، أتته امرأة، وأعطته كتابًا، وقالت له: اقرأ هذا الكتاب، فقرأه عليها، ومن ثم غادرت من عنده ودخلت قصرًا، ومكثت فيه ساعات، ثم عادت إليه، وقالت له: إن دخلت معي إلى هذا القصر، وقرأت هذا الكتاب على امرأة فيه، أعطتك عليه أجرًا إن شاء الله.
فدخل أبو دهبل مع المرأة إلى القصر، وعندما دخله وجد فيه الكثير من الجواري، فقامت الجواري بإغلاق باب القصر عليه، فأتته امرأة جميلة وقامت بمراودته عن نفسه، فرفض، فأمرت المرأة جواريها أن يحبسنه، فحُبس أبو دهبل في غرفة من غرف القصر، وكانت تعطيه القليل من الطعام والماء، حتى هزل، وكاد أن يموت، فأمرت به أن يحضر إليها، وراودته عن نفسه مرة أخرى، فرفض، وقال لها: أمّا في الحرام لا، ولكن أتزوجك، فوافقت المرأة وتزوجها.
ومن بعد أن تزوج أبو دهبل من هذه المرأة أقام معها زمنًا طويلًا، وكانت تمنعه من الخروج من القصر، وطالت فترة غيابه عن أهله، فيئسوا منه، وقام أولاده بتزويج بناته، وتقاسموا ورثته فيما بينهم، ولكن أمهم بقيت حزينة عليه، تبكيه ليلًا نهارًا، ورفضت أن تتقاسم الميراث مع أبنائها، فلم تأخذ من ميراثه شيئًا، وجاءها الرجال يطلبونها للزواج، فرفضت، وأقامت على الحزن والبكاء على زوجها.
وفي يوم قال أبو دهبل لزوجته: إنّك قد أخطأت في حقي أنا وأولادي، ومنعتيني عنهم، فاسمحي لي أن أذهب إليهم، وأعدك أنّني سوف أعود إليك، فأخذت زوجته عليه أيمانًا ألّا يبقى عندهم أكثر من سنة ويعود إليها، وقامت بإعطائه الكثير من الأموال.
فخرج أبو دهبل من عند زوجته وتوجه إلى أهله، وعندما وصلهم، وجد زوجته حزينة على فراقه، ووجد أولاده قد تقاسموا ماله فيما بينهم، فأتاه أولاده، فقال لهم: لا يوجد بيني وبينكم عمل، لقد ورثتموني وأنا حي، فهو لكم، ولكن والله لن يتقاسم أحد مع زوجتي ما أحضرت معي من مال، وقال لزوجته: إنّ كل هذا المال لك، وإنّي أعلم ما كان من وفائك، وأقام معها السنة، وقال في زوجته الشامية:
صاحِ! حَيَّ الإلهُ حَيّاً وَدُوداً
عندَ أصْلِ القَنَاةِ من جَيرُونِ.
فبِتِلكَ اغتَرَبْتُ بالشّام حتى
ظَنّ أهلي مرَجَّماتِ الظّنونِ.
وَهيَ زَهرَاءُ مثلُ لؤلؤةِ الغَوّصِ
مِيزَتْ مِن لؤلؤٍ مَكنونِ.
وقال أيضًا في هذه القصيدة:
ثمّ فارَقتُها على خيرِ ما كانَ
قرينٌ مقارناً لقَرينِ
وبكَتْ خشيةَ التفرّق والبَيْنِ
بكاءَ الحزينِ نحوَ الحزينِ
فاسألي عَنْ تَذَكّرِي واكتِئابي
جُلَّ أهلي إذا همُ عذلوني.
وعندما انقضت السنة أراد أبو دهبل أن يعود إلى زوجته الشامية، ولكنّه وصله خبر وفاتها، فبقي في منزله.