قصيدة - عيد بأية حال عدت يا عيد

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصيدة “عيد بأية حال عدت يا عيد”


وأمّا بالنسبة لمناسبة قصيدة “عيد بأيّة حال عدت يا عيد”فإنّه عندما وصل أبو الطيب المتنبي في مصر إلى حالة من اليأس والإحباط وأصبح في حالة نفسية صعبة، وبسبب حالته قطع مجالس كافور الإخشيدي، وبعدها عاد لمجالسة كافور، فكان كلّما طلب منه قصيدة يمدح فيها كافور يرفض أن ينشد ويقول الشعر فلا ينقاد للأوامر، وقام بمقاطعة الناس فأصبح لا يلاقي أحد، وخلى بنفسه يفكر كيف يتخلص ممّا أوقعه في كافور.

وبدأ اضطرابه يزداد شيئًا فشيئًا وأصبحت حالته النفسية صعبة جدًا حتى أصبح يمضي أيامه بالبكاء، وعندما طفح به الكيل ذهب إلى مجلس كافور وقام بسؤاله: إن كان سيوفي بوعده بأن يضعه حاكمًا على أحد الضيع أو واليًا على أحد المدن في مصر، وأخبره بأنّ سبب قدومه إلى مصر هو وعود كافور البراقة له، فقال له كافور: وأنت فقير وليس بيدك حيلة وضعت نفسك في مقام النبوة، فإن وليتك وأصبح لك أتباعٌ فمن يقدر عليك.

وعلى الرّغم من شدة رد كافور فليس لذلك أي أهمية، فلن يقوم كافور بعد الآن بخداع المتنبي، فلقد أصبح المتنبي حاقدًا على كافور، وكان نقمه على كافور المخادع وخيبته الكبيرة من الوعود الكاذبة سببًا كافيًا له للخروج والهروب، ولكنّ كافور كان يعرف نوايا المتنبي فلقد عرف حقيقة مشاعر المتنبي نحوه، وكان أيضًا يعرف بأنّه سوف يهرب عند أول فرصة سانحة، وعرف المتنبي بكل هذا ولكنّه قام بإخفاء عواطفه عن كافور.

وقد قام المتنبي بوضع حرس على نفسه وقد قام بانتقائهم من عبيده الأقوياء وذلك لكي يقاوم كل هجوم محتمل عليه، وقد خطط المتنبي للهروب والخروج من الفسطاط وذلك في أيام احتفالات الشعب بعيد الأضحى، وقد قام في الهروب في اليوم التاسع من ذي الحجة، حيث كانت تجري استعراضات ومراسم جذبت عددًا كبيرًا من الناس، وقد كانت هذه أفضل فرصة للهروب، وقد قام بالخروج يومها ومعه إبله المحملة بالأسلحة والمتاع والطعام الذي يكفيه لعدّة أيام، واجتاز السويس ثم دخل في صحراء سيناء، وعندما انتبه القوم لهروب المتنبي قاموا باللحاق به، ولكنّهم لم يستطيعوا ذلك، فأغاظ ذلك كافور غيًظا شديدًا وأراد أن يمسك المتنبي، ولكنّ المتنبي كان قد ابتعد عن الفسطاط ولم يعد من الممكن اللحاق به، وعندها قام المتنبي بكتابة قصيدة يهجي فيها كافور، وأعطاها لأحدهم لكي يوصلها له، وعندما وصلت إلى كافور شك فيما تحتويه، وقام بإحراقها قبل أن يقرأها.

وعلى ما يبدو فإنّ كافور لو كان قد أعطى المتنبي حكم كافة مصر لكان أفضل له بأن تقال بحقه هذه القصيدة التي تخلدت في كتب الشعر إلى الأبد، فلو كان أعطاه حكم مصر لانتهى ذلك بموت المتنبي أو بموت كافور، ولكن ما قيل بحق كافور بهذه القصيدة سيبقى يردد جيلًا بعد جيل، ولكنّ كافور قد أخطأ بعدم وضع المتنبي واليًا على أيّ مدينة من مدن مصر، وبذلك كان سيتفادى هذه الفضيحة الخالدة.

فهذه القصيدة هي نسيج وحدة خالدة على مرِّ الزمن لم تنقص الأيام والسنون حرارتها، ولم تطفئ لهبها ولم تخمد سعرها ولا شك أنّ سر نجاحها وروعتها في المقام الأول: صدق عاطفة صاحبها وشدّة ثورته بل غليان مرجلة النفسي إلى درجة الانفجار وحقاً كان ذلك الانفجار، ولو تخيلنا صورة الشاعر وتعبيرات وجهه وهو ينظم القصيدة هالنا المنظر وروعتنا تلك التعبيرات وأخافتنا تلك المجريات واصطكاك أسنانه من شدّة الانفعالات، وقد قال المتنبي في هذه القصيدة:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها
وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ

وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً
أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ

لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي
شَيءً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ

وقال أيضاً:

وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ
إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ

مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً
أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ

أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً
أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ

أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ
في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ
عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ


شارك المقالة: