العلاج الوظيفي والإحباط

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الإحباط ” Frustration”:

إنّ الإحباط تعبير عن الحالة التي يمر بها الفرد حين لا يتوافر له إشباع دافع يلح عليه ويشعره بالحاجة، ويصيب الإحباط الراشدين في أعمارهم المختلفة كما يصيب الأطفال والأحداث، ويبدأ في مرحلة الطفولة وتستمر إلى مرحلة الرشد والشيخوخة.

إن حدود الزمان والمكان والظروف الاقتصادية وشؤؤن العمل والمهنة ومتقلبات الحياة كلها مواقف قد يحدث بها إحباطات مختلفة، مما يتطلب من االفرد اللجوء عن وعي أو غير وعي إلى الدفاعات لأحداث التوازن النفسي.

مفهوم الإحباط:

يُعرف الإحباط بأنه حالة تتضمن إدراك الفرد لعائق يحول دون إشباع حاجة له، أو توقع حدوثه حالياً أو في المستقبل، وعند الموقف الإحباطي يظهر السلوك على شكل محبط، كما يظهر الضيق عند الفرد لدى الامتناع عن تحقيق الدوافع وإشباعها.
ويمس ذلك الامتناع عن العضوية بتهديد يمكن أن يكون شديداً ويمكن أن يكون ضعيفاً، ويظهر أحياناً على شكل امتناع ذاتي عن إشباع الدافع، فقد يكون الامتناع لسبب الخوف من النتيجة أو يكون بسبب الصراع وقد يكون تفادياً لأحكام الناس.
كما أنّ حالة الإحباط هي إدراك الفرد لعائق يحول دون إشباع دوافع أو حاجات أو تحقيق هدف أو هو توقع عائق مستقبلي يؤدي بالفرد إلى الشعور بالتوتر والضيق والعصبية والقلق وصرف انتباهه عن مسؤولياته الأخرى، كما يؤثر في اتجاهه وآرائه العقلية ويمكن أن يؤدي إلى تعرض العضوية من جراء ذلك لنوع من الاضطرابات العصبية النفسية أو الأمراض العقلية كالذهان.
هناك ثلاث مفاهيم لتعريف الإحباط:

  • وجود عائق.

  • إدراك الشخص لهذا العائق.
  • كما أنّ هذا العائق يعيق حاجة أو دافع معين أو تحقيق أهداف معينة.

بشكلٍ عام، إن الإحباط أمر نسبي يوجد بدرجات متفاوتة، يعتمد على الموقف المحبط نفسه، كذلك يختلف من فرد لآخر ويعتمد على شخصية الفرد والموقف المحبط نفسه.

تحليل الإحباط:

يحدث الإحباط نتيجة إدراك الفرد ما ينطوي عليه الموقف المحيط به من شروط تقف في وجه إشباع الدافع الموجود لديه( حاجة أو عائق موجود أو مقدار).
ومن خلال هذا الإحباط وفي حال حدوثه سينشأ صراع لدى الفرد، حيث يمر الفرد بحالة الصراع حين لا يستطيع إرضاء دافعين معاً، أو نوعين من الدوافع ويكون كل منهما قائماً لديه، وهذه الحالة من الممكن أن تؤدي إلى القلق والاضطراب.، فكثير من حالات الصراع تنشأ بسبب ما يضعه من موانع وعراقيل في وجه الكثير من الدوافع التي يحملها الأفراد معهم.

أنواع الصراع:

  • صراع الإقدام والإقدام: يظهر عندما يتنازع دافعاً ما، حيث يدعو كل منهما إلى الحصول على شيء ولا نستطيع الحصول على الشيئين معاً، فنكون أمام رغبتين إيجابيتين من حيث الإنجذاب ولكن علينا أن ننتقي بين الأمرين أو الحاجتين؛ وذلك نظراً لكونه لا يمكن الحصول عليهما معاً، وهذا الصراع سهل الحل ضعيف الآثار ولا يستمر مدة طويلة بل تنتهي عندما يختار الفرد أحدهما.
  • صراع الإحجام والإحجام: نزاع بين دافعين كل منهما يدعو إلى تجنبٍ ما، ولا يستطيع تجنب الحالتين معاً، ونكون أمام رغبتين سلبيتين، ومدة هذا الصراع طويلة وهو وراء عدد من حالات الجنوح والسلوك الاجتماعي، وقد يحل عن طريق هروب الفرد من حقل الصراع كله وقد يوقعه هذا الهروب في الإحباط.
  • صراع الإقدام والإحجام: رغبة الشخص في النزوع إلى شيء ورغبته في تجنب شيء آخر، حيث يكون الشيء نفسه منطوياً عليه، رغبتين في إتجاهين، ويعتبر هذا الصراع من أخطر أنواع الصراع من حيث ما يمكن أن يقود عليه من حالات الإحباط والقلق والصراع والاضطراب الحاد.
  • صراع الإقدام والإحجام المزدوج: ظهور دوافع جديدة تدعم الإقدام نحو موضوع النزاع أو الإحجام عنه، وقد يحل هذا النوع من خلال دعم جانب الإقدام وسرعة إيجاد المخرج.

الحيل الدفاعية:

الدفاعات النفسية أو الحيل الدفاعية هي ظاهرة نفسية تهدف إلى حماية الذات من ما يؤلمها أو يهددها أو يخل توازنها، ويمكن أن نعرفها بأنّها مجموعة من الأساليب السلوكية التي يلجأ إليها الفرد لكي يحصل على حاجته أو ما يعيقها أو يبعد عن نفسه خطراً واقعياً أو خطراً متوقعاً.
تهدف الدفاعات النفسية إلى سعي الإنسان للتكيف وهي موجودة في حياة الإنسان السوي كما هي موجودة لدى من يوصف بالشاذ أو المضطرب، كما أنها ليست اضطرابات عقلية ولا أعراض ولا اضطرابات عقلية وإنما هي طرق ومخارج يحاول بها الفرد العادي إتقاء أخطار الإحباط أو الصراع أو المناسبات المؤلمة لخفض التوتر.
وتسمى هذه الطرق أحياناً بوسائل الدفاعات الأولية أو النفسية، كما تسمى باسم( آليات دفاع الأنا) أو الحيل اللاشعورية.
وكنتيجة للإحباط وللصراع الناتج عن ذلك سينتج الإحباط، حيث يعمل الفرد على مقاومة ذلك الإحباط بوسائل عدة، وأول هذه الوسائل هي الحيل الدفاعية الطبيعية منها والشاذ، حيث تعتبر أساليب غير مباشرة لإحداث التوازن والتوافق النفسي، كما أنّها وسائل وأساليب لا شعورية من جانب الفرد وظيفتها تمويه ومسح الحقيقة.
وحتى يتخلص الفرد من حالة التوتر والقلق الناتجة عن الإحباطات والصراعات التي لم تحل والتي تهدد الأمن النفسي للفرد، وهدفها وقاية الذات من التدني والدفاع عنها والاحتفاظ بالثقة في النفس واحترام الذات وتحقيق الراحة النفسية والأمن النفسي.
واستخدام هذه الدفاعات الأولية ليست مشكلة أو حالة مرضية، ولكن الإفراط في الاستخدام وفي كل المواقف الحياتية،
لذلك يجب مراعاة مستوى ووقت وكيفية استخدام هذه الدفاعات.
تتلخص أسباب استخدام الفرد للحيل الدفاعية (اللاشعورية) في تجنب حالات القلق في مواقف الحياة وما يصاحبها من شعور بالإثم والتقليل من الصراعات داخل نفسه ولحماية ذاته من التهديد، وقد يتم اللجوء إليها؛ لعدم قدرته على إرضاء دوافعه بطريقة سوية واقعية لأسباب كثيره كأن تكون المشكلة فوق قدرته أو ضعف وقصور في تكوينه النفسي.

الحيل الدفاعية:

  • الإعلاء (التسامي) Sublimation: هو الارتفاع بالدوافع التي لا يتقبلها المجتمع وتصعيدها إلى مستوى أعلى أو أسمى والتعبير عنها بوسائل مقبولة اجتماعياً، وهي عملية لاشعورية، وتُعدّ من أفضل الحيل والأكثر انتشاراً، حيث يدل استخدامها على الصحة النفسية العالمية، حيث يلجأ اليها الإنسان للتعبير عن الدوافع غير المرغوبة من قبل المجتمع بصورة تجعلها أمراً محبباً ومرغوباً يحوز على أثرها كل تقدير واحترام.
    ويعتبر التسامي من الحيل الدفاعية الراقية التي تجعل الفرد يحقق أكثر قدر من الاحترام والتقدير، وبالتالي يتم خفض مستوى القلق إلى أدنى حد ممكن.
  • التعويض Compensation: هو حيلة دفاعية يلجأ إليها الفرد عندما يعاني من بعض مشاعر النقص والقصور والحرمان في إحدى النواحي الحياتية، وذلك من أجل التغلب على الشعور بالدونية والوصول بالذات إلى الشعور بالتقدير وتخفيف القلق.
    أو هو محاولة الفرد النجاح في ميدان لتعويض عجزه وفشله الحقيقي أو المتخيل في ميدان أخر مما أشعره بالنقص.
  • التقمصIdentification: هو أن يجمع الفرد ويستعير إلى نفسه ما في غيره من صفات مرغوبة، حيث يربط فيها الشخص الصفات المحببة إليه والجذابة والموجودة لدى الآخرين بنفسه أو يدمج نفسه في شخصية فرد آخر حقق أهدافاً يشتاق إليها، ويختلف التقمص عن التقليد فالأول لاشعوري والثاني شعوري. والتقمص في شكله البسيط يكون له أثر هام في نمو الذات وفي تكوين الشخصية، ويختلف التقمص عن المحاكاة أو التقليد.
  • النكوص Regression: هو العودة إلى مستوى غير ناضج من السلوك كالرجوع إلى أسلوب من الأساليب التي يتبعها في مراحل العمر الأولى للتعبير عن الدوافع الغريزية بسبب عدم قدرته على تحقيقها.
  • التخيل Fantasy: اللجوء إلى عالم الخيال لتحقيق ما عجز عن تحقيقه من نجاح في الواقع ، ويصدر الخيال من العمليات العقلية المعرفية المتمثلة في الإدراك، التفكير، التذكر، الإنتباه، النسيان، وغيرها. وهو ينتمي إلى مجال التفكير.
    ففي الخيال يستطيع الفرد أن يتجنب الشّد والضغط الواقع عليه من البيئة الخارجية، ويؤدي إلى تخفيض توتر بعض الدوافع من خلال تبديدها، وتخدم هذه الطريقة عمليات عقلية أخرى في إعانة الفرد على تحمل صراعاته النفسية والإبقاء عليها بحيث لا تطغى على الوعي ولا تؤدي إلى انهيار التوازن النفسي الداخلي للفرد.
  • التبرير: هو أسلوب دفاعي هروبي يلجأ إليه الفرد عند قيامه بسلوك لا يقترن بالنجاح ومحاولته لتعليل الفشل؛ بهدف حماية ذاته من النقد أو تفسير السلوك الخاطئء بأسباب تبدو منطقية ومقبولة بينما تكون الأسباب الحقيقة انفعالية.
    ويختلف التبرير عن الكذب في كون الأول لا شعوري والثاني شعوري، وهو وظيفة دفاعية تساعد الشخص في تخفيف الإحباط، حيث يقنع فيها الفرد نفسه بأن سلوكه لم يخرج عما ارتضاه لنفسه من قيم ومعايير.
  • الإنكار Denial: إنكار لا شعوري للواقع المؤلم أو المسبب للقلق، حيث يحاول به الفرد بناء أوهام قائمة على إنكار الواقع ومن ثم التصرف في ضوء هذه الأوهام الذاتية بغض النظر عن مدى تناقضها مع الواقع، وقد يؤثر الإنكار بشكلٍ سيء على الشخص إذا لم يتم استبداله بالتقبل والإنكار.
  • الكبت: يبدأ بالشعور وينتهي باللاشعور في إبعاد الأفكار المؤلمة من حيز الشعور إلى حيز اللاشعور حتى تنسى، يمتاز الكبت بأنّه أكثر عمقاً في التأثير وأكثر دفعاً نحو التطرف، ويحدث من خلال مرور الإنسان بحالات تبرز دوافع لا تناسب أن تظهر أمام الآخرين مثل العدوان في مجتمع يسوده السلام والأمان.
    والكبت آلية تحايل وليس حل لمشكلة بل يعتمد على حصرها في إطارٍ ما، ثم أنّه يعيق الشخص من اكتساب خبرة جديدة في الميدان الذي اقلقه ودعاه إلى كبت تأثيره.
  • الإزاحةDisplacement: هي إعادة توجيه الانفعالات المحبوسة نحو أشخاص أو موضوعات أو أفكار غير الأشخاص أو الموضوعات الأصلية التي سببت الانفعالات.
    فالإزاحة هي توجيه الانفعالات الشديدة نحو أشخاص آخرين غير الأشخاص الحقيقيين الخاصين بالمشكلة أو المثير القائم ضد الفرد القائم بالإزاحة.
  • التحويل أو الإبدال Conversation: تحويل الصراعات الانفعالية أو الدوافع المكبوتة من خلال العمليات الحسية والحركية أو العمليات الفسيولوجية مثل: العمى الهستيري، ويوفر الإبدال فرصة التعبير من غير إلحاق الضرر بمن يحب.
  • التثبيتFixation: التثبيت هو توقف نمو الشخصية عند مرحلة النضج، حيث لا يتعداها عندما تكون المرحلة الثانية من مراحل النمو بمثابة تهديد خطير.
  • الإنسحاب Withdrawal: الإنسحاب هو التجنب المباشر للناس أو مواقف التهديد وعوائق إشباع الحاجات والدوافع وعن مصادر القلق والتوتر ومواقف الإحباط والصبر الشديد.
  • التعميم Generation: التعميم هو الحيلة التي يعمم بها الإنسان خبرته من تجربه سيئة على سائر التجارب المشابهة أو القريبة منها، وهو حيلة لخفض التوتر تحاول تجنب الناس الآلام التي عانى منها من تجربته الأولى باجتناب كل المؤثرات المشابهة لها.
  • الرمزية Symbolization: الحيلة التي يعتبر فيها الإنسان المؤثر الذي لا يحمل أي معنى عاطفي رمزاً لفكرة أو إتجاه شعوري مشحون بالعواطف.

دور أخصائي العلاج الوظيفي من الحيل الدفاعية:

لأخصائي العلاج الوظيفي دور بارز في مساعدة الشخص عند تعرضه لأسباب تعيق إشباع حاجة من حاجاته بمختلف مستوياتها، حيث يقوم الأخصائي بإيقاف حالة الإحباط التي تصيب الحالة لإعادة توازنه النفسي، وذلك من خلال:
تقديم المشورة والتوجية للحالة؛ من أجل التغلب على ذلك الإحباط، ومنعه من التطور والتحول إلى حالة اضطراب عصبي أو عقلي.
بالإضافة إلى دور المعالج الوظيفي في مساعدته على استخدام الحيل الدفاعية بمقدار لا يصل إلى الاستغراق باستخدامها للمستوى المرضي، ومساعدته في إيجاد بدائل مشروعة ومقبولة اجتماعياً عن تلك الرغبات التي تعطلت أو أُحبطت باستخدام العلاج السلوكي أو المعرفي أو الاثنين معاً.

المصدر: كتاب" الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية" للمؤلف محمد حسن غانمكتاب" إطار ممارسات العلاج الوظيفي" للمؤلفة سمية المكاويكتاب" مبادئ الأمراض النفسية" للمؤلف يحيى الرخاوي


شارك المقالة: