قصيدة - كفيت أخي العذري ما كان نابه

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “كفيت أخي العذري ما كان نابه”:

أمّا عن مناسبة قصيدة “كفيت أخي العذري ما كان نابه” فيروى بأن عمر بن أبي ربيعة كان له صديق من عذرة، وكان صديقه مستهترًا في حديث النساء، وكان ينشد فيهن، وكان صديقه يأتي الحج كل سنة، وفي سنة من السنوات لم يأتي، وأتى وفد عذرة، فذهب عمر يسأل عنه بينهم، فأتاه أحد غلمانهم، وقال له: أتسأل عن أبي المسهر؟، فقال له عمر: نعم إياه أريد وعنه أنشد، فقال له الغلام: والله لقد أصبح في حال يرثى لها، كما قال:

لَعَمرُكَ ما حبّي لأسماءَ تاركي
صحيحاً، ولا أَقضي به فأموتُ.

فقال له عمر بن أبي ربيعة: وما الذي به؟، فقال له الغلام: به مثل الذي فيك من الضلال، كأنّكما لم تسمعا بالجنة ولا النار، فقال له عمر: وماذا تكون له: فقال له الغلام: أنا أخوه، فقال له عمر: وما الذي منعك من أن تسلك طريق أخوك؟، وانطلق عمر وهو ينشد:

أرَائِحَةٌ حُجّاجُ عُذرَةَ روحةً
ولمّا يَرُحْ في القوْم جَعدُ بنُ مَهجَعِ

خليلينِ نشكو ما نلاقي من الهوَى
فتىً ما أقُلْ يسمَعُ وإن قالَ أسمَعِ

فلا يُبعِدَنْكَ اللهُ خِلاً، فإنّني
سألقى كما لاقَيْتَ في الحُبّ مصرَعي

وعندما حج عمر بن أبي ربيعة في السنة التي تليها وقف في المكان الذي كان هو وصديقه يقفان عنده في عرفات، وإذ براكب أقبل عليه حتى وقف عنده، وكان لونه قد تغير، وحالته قد ساءت، فلم يعرفه عمر إلّا من ناقته، فعانقه وبدأ بالبكاء، فقال له عمر: مالذي دهاك؟، فأنشد صديقه قائلًا:

لئِنْ كانتْ عديلةُ ذاتَ بَثٍّ
لَقَد عَلِمَتْ بأنّ الحُبّ داءُ

ألَمْ تَنظُرْ إلى تغييرِ جِسْمي
وإني لا يُزَايِلُني البُكَاءُ

وأني لَوْ تَكَلّفْتُ الذي بي
لعَفّى الكَلْمُ وانكشَفَ الغِطاءُ

وإنّ مَعاشِري وَرِجالَ قَوْمي
حُتُوفُهُمُ الصَّبَابَةُ وَالِّلَقاءُ

إذا العُذرِيّ ماتَ بحَتْفِ أنْفٍ
فَذاكَ العَبدُ يَبكِيهِ الرِّشاءُ

فقال له عمر: يا أبا مسهر، إنّك في مكان عظيم، وقد اجتمع الناس فيه من كل بقاع الأرض يدعون ربهم، فلو أنّك تدعوه فإنّك إن شاء الله سوف تظفر بحاجتك، وتنصر على عدوك، فبدأ يدعو  وبقي يدعو حتى غربت الشمس، وهم الحجاج بالمغادرة، فأتاه عمر، وسمعه وهو يقول:

يا رَبَّ كلِّ غدوَةٍ وَرَوْحه
من مُحرِمٍ يشكو الضّحى ولُوحه
أنتَ حسيبُ الخَطبِ يوْمَ الدَّوحه

فقال له عمر: وما يوم الدوحة، فقال له: إني رجل صاحب مال كثير، وقد خشيت على مالي أن ينفذ، فذهبت إلى أخوالي من قبيلة كلب، فكانوا خير أخوال، حتى يوم أردت أن أسقي إبلي من ماء يقال له خرزات، فركبت وأخذت إبلي وانطلقت، وبينما أنا في طريقي إلى مرعى الإبل، رأيت شجرة عظيمة، فنزلت وربطت فرسي بغصن من أغصانها، ثم جلست تحتها، وبينما أنا جالس سطع أمامي غبار، وخرج منه رجل يطارد غزالين، وعندما اقترب الرجل مني كان يرتدي درعًا أصفر وعمامة سوداء، وكان شعره طويلًا يصل إلى كتفيه، ولحق بهما فقتلهما، وعاد عندي فربط حصانه، وجلس قريبًا مني، وهو يقول:

نَطْعَنُهُم سُلكى وَمخلوجَةً
كَرَّكَ لأمينِ عَلى نابِلِ

وبينما هو جالس يحدثني رأى الشراب الذي معي: فسألني ماهذا الذي في سرجك؟، فقلت له: شراب أهداني إياه أهلي، أتريد أن تشرب؟، فقال لي نعم، فقمت وأحضرت الشراب وأعطيته إياه، فشرب منه، وبينما هو يشرب انتبهت إلى عينيه فكانت كعيني الغزال الذي فقد أبيه، فانتبه لي، وأنشد قائلًا:

إنّ العُيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ
قَتَلْنَنَا ثُمّ لَمْ يُحيينَ قتلانا

يصرَعْنَ ذا الُّلبِّ حتى لا حَرَاكَ بِهِ
وهُنّ أضْعَفُ خَلقِ اللهِ أركانا

فقلت له: بالله عليك، هل أنت امرأه، فقالت لي: نعم والله، فجلسنا نتحدث ونشرب، ومن ثم ركبت حصانها وهمّت بالرحيل، فقلت لها: من أين أنتي؟، فقالت لي: والله إن عندي أخوانًا أشوسًا، وأبًا غيورًا، فإن رأوك سوف يقتلونك، ومن ثم غادرت، فهممت باللحاق بها، ولكنّي لم أستطع إدراكها.

ثم قال الرجل لعمر بن أبي ربيعة: والله إنّ ما تراه في من حال، لهو بسببها وبسبب حبي لها، ومن ثم بدأ بالبكاء، فقال له: لا تبكي، وإنّي والله سوف أسعى لك بحاجتك.

وعندما انتهى موسم الحج، أخذ عمر بن أبي ربيعة ألف دينار، وأخذ صديقه، وذهب إلى ديار كلب، ودخلوا على أبيها، وسلم عمر عليهم، فرد أبوها السلام، وقال له: من أنت؟، فقال له: عمر بن أبي ربيعة، فقال له الشيخ: وفيما أتيت: فقال له عمر: خاطبًا، فقال له: لك، فقال له عمر: لا، وإنّما لصديقي العذري، فقال الشيخ: والله إنّه لكفء الحسب رفيع البيت، ولكن بناتي لم يخرجن خارج هذا الحي، فكيف عرفها؟، فجزع عمر وتغير لونه، ولاحظ الشيخ ذلك، وقال: والله إنّي لن أصنع بك ما لم أصنعه بغيرك، فإنّي أخيّرها ما اختارت، فقال له عمر: خيرها.

فأرسل إليها والدها وخيرها فوافق، فقام عمر بإعطائه ألف دينار مهرًا لها، وتزوج أبو مسهر حبيبته، وفي صباح اليوم التالي ذهب عمر إلى بيت صديقه، وجلسا يتحدثان، فسأله عمر، وقال له: وكيف زوجتك؟، فقال له:

كَتَمتَ الهَوَى إني رأيتُكَ جازِعاً
فقلتُ فتىً بعضَ الصّديقِ يُرِيدُ

وَإنْ تطرَحَنّي أوْ تقولُ: فَتِيّةٌ
يُضِرّ بها بَرْحُ الهَوَى فَتَعودُ

فَوَرّيتُ عمّا بي وفي الكَبِد الحشا
منَ الوَجْد بَرْحٌ، فاعلَمَنّ، شَديدُ

فقال عمر لأبي مسهر: قم إلى أهلك، ومضى في سبيله وهو ينشد:

كَفَيتُ أخي العُذرِيَّ ما كانَ نابَهُ
وَمِثلي لأثقالِ النَّوائِبِ أحْمَلُ.

أما استَحسَنت مني المكارِمُ والعُلى
إذا اطُّرِحَتْ، أني أقولُ وَأفْعَلُ.


شارك المقالة: