قصة قصيدة “والله يا طرفي الجاني على كبدي”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “والله يا طرفي الجاني على كبدي” فيروى بأنّه في يوم دخل الشاعر أبو النواس على أمير المؤمنين الأمين أبو عبدالله محمد بن هارون الرشيد، وهو جالس في مجلسه، وواقف عنده جارية لم ير أبو نواس في جمالها من قبل قط، وعندما أمعن أبو النواس النظر في الجارية، انتبه إلى إطار على رأسها مكتوب عليه “الغالية”، وكان على رأسها إكليل، مكتوب عليه:
واللهٍ يا طرْفَي الجاني على كَبِدي
لأُطفِئَنّ بدمعي لَوْعَةَ الحَزَنِ.
باللهِ تطمَعُ أن أبلى هوىً وَجوى
وأنتَ تلتَذّ طِيبَ العَيشِ والوَسَنِ.
وكان على حجر هذه الجارية عود، مكتوب عليه:
يا أيّها الزاعمُ الذي زَعمَا
أنّ الهَوَى ليسَ يورِثُ السقَمَا
لو أنّ ما بي بك الغداةَ لما
لُمتَ محِبّاً إذا شكا ألما
وبين يديها صينية من ذهب، فدقق النظر في هذه الصينية وإذ مكتوب عليها:
لا شيءَ أحسنُ مِنْ أيّامِ مجْلِسِنَا
إذ نجعَلُ الرُّسلَ في ما بيننا الحدَقا
وَإذا حوَاجِبُنا تقضي حَوائِجَنَا
وَشكلُنا في الهوَى نلقَاهُ متّفِقَا
ليتَ الوُشاةَ بِنَا والحاسِدينَ لنَا
في لُجّة البَحرِ ماتوا كلّهم غرَقَا.
أوْ ليتَ من عابَنَا أو ذمّ مجْلِسَنَا
شُبَّتْ عليه ضِرَامُ النارِ فاحتَرَقا
ومن ثم أتاه أحد الخدم بمغسل، وكان مكتوب عليه:
لوْ كانَ يدري مالكٌ ما الذي
ألقى مِن الأحزَانِ والكَرْبِ
وَمَا ألاقي مِن ألِيمِ الهَوَى
عذّبَ أهْلَ النّارِ بالحُبِّ
وبعد أن غسل أبو النواس يداه، قدم له الخادم كأسًا من شراب، وإذ على الكأس مكتوب:
الحمدُ للهِ على ما قَضى
قد كانَ ذا في القَدَر السابقِ
ما تحملُ الأرْضُ على ظهرِهَا
أشقى ولا أوْثَقَ مِن عاشِقِ
فَبَينَما يمشي على مَرْمَرٍ
إذا بِهِ يَسقُطُ مِنْ حالِقِ
فشرب أبو النواس الكأس وناوله للخادم، فقام الخادم بإعطائه تفاحة وأترجة ” أحد أنواع الحمضيات“، فأمسك أبو نواس بالتفاحة، وإذ مكتوب عليها:
تُفّاحَةٌ تَأكُل تُفّاحَةً
يا ليتني كنتُ التي تُؤْكَلُ
فَألثمُ الثغرّ، إذا عَضّني
بِعِلّةِ الأكْلِ، ولا أُؤكَلُ
ومن ثم أمسك بالأترجة، وإذ مكتوب عليها:
يا لكِ أُتْرُجّةً مُطَيَّبةً
تُوقِدُ نارَ الهَوَى على كَبِدي
لوْ أن أُتْرُجّةً بَكَتْ لَبَكَتْ
لرَحمَتي هذه التي بِيَدي