قصة قصيدة “ومن ينفق الساعات في جمع ماله”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “ومن ينفق الساعات في جمع ماله” فيروى بأن رجلًا قال للمتنبي في يوم: قد شاع عنك أن بخيل، وقد أصبح ذلك موضوعًا في سمر الرفاق، وأنت الذي تمدح في شعرك أهل الكرم، وتذم فيه البخيلين وأهل البخل، وأنت الذي قلت:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقرٍ فالذي فعل الفقرُ
ومن ثم قال له: من المعروف أن البخل قبيح، وعندما يكون منك يكون أقبح، فإنّك تتعاطى كبر النفس وعلو الهمة، وتطلب الملك، والبخل ينافي ذلك، فرد عليه المتنبي، وقال له: إنّ لبخلي سببًا، وذلك أنّي في يوم سافرت من الكوفة إلى بغداد، وبينما أنا هنالك، نزلت في يوم إلى السوق وكان معي خمسة دراهم، فمررت بدكان يبيع صاحبها فيها الفاكهة، ورأيت عنده خمس بطيخات، واستحسنتها، ونويت أن أشتريها بما أملك من دراهم، فذهبت إليه، وقلت له: بكم تبيعني هذه البطيخات الخمس يا رجل، فرد علي من دون إهتمام، وقال لي: اذهب، فهذا البطيخ ليس للبيع، فأغاظني ما قال، وأصريت عليه وقلت له: يا رجل، لا تتكلم بما يغيظ، وقل لي الثمن الذي تريده، فقال لي: إنّ ثمنها عشرة دراهم.
فصدمني السعر الذي طلبه، ووقفت حائرًا أفكر ماذا أفعل، ولم أستطع مساومته، وحاولت أن أعطيه ثمن البطيخ، وهن الخمسة دراهم التي أملك، ولكنّه لم يقبل، وبينما أنا واقف في دكانه، خرج شيخ من التجار من الدكان المجاورة له، متجهًا نحو منزله، فركض إليه البائع، ودعاه لشراء البطيخ، وقال له: مولاي، هذا البطيخ من أفضل البطيخ في السوق فاسمح لي أخذه إلى بيتك، فقال له الشيخ: وكم ثمنه؟، فرد عليه البائع وقال: خمسة دراهم فقط، فقال له الشيخ: لا بل آخذهم بدرهمين، فوافق البائع على ذلك، وباعه البطيخ بدرهمين، وحمله إلى منزله، ومن ثم دعا له وعاد إلى دكانه فرحًا مسرورًا.
فاستغربت من البائع وممّا فعل، وقلت له: يارجل، ما رأيت أعجب منك، لم تقبل أن تبيعني هذا البطيخ بخمسة دراهم، وبعته إياه بدرهمين فقط، فقال لي الرجل: أسكت يا هذا، إنّه يملك مائة ألف دينار، وحينها علمت أنّ الناس لا يكرمون أحدًا إكرامًا كالذي يكرموه للذي معه مائة ألف دينار ، ومنذ ذلك الحين وأنا على ما تراه حتى أسمعهم يقولون: إنّ أبا الطيب يملك مائة ألف دينار.