قصة قصيدة وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمد ﻻ ﺗﺨشى مضاربه:
أمّا عن مناسبة قصيدة “وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمد ﻻ ﺗﺨشى مضاربه” فيروى بأنّ إدريس جماع قد فقد عقله في آخر أيام عمره وأدخل إلى مستشفى المجانين، وعنها قرر أهله أن يقوموا بعلاجه خارج السودان، فبعثوا إلى أحد المتشفيات في لندن تقريرًا عن حالته، وبعد أن وافق المستشفى على أن يستقبله، جهزوا أنفسهم للمغادرة، وتوجهوا إلى المطار، وبينما هم في المطار في صالة المغادرة، رأى إدريس امرأة شديدة الجمال، وكانت برفقة عائلتها، وكان زوجها بجانبها، فأطال إدريس النظر في وجه هذه المرأة، وعندما انتبه زوجها إلى ذلك حاول أن يمنعه، عن ذلك، فأنشد إدريس قائلًا:
أعَلى ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺗﻐﺎﺭُ ﻣِﻨّﺎ
ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﺫْ ﻧﻈﺮﻧﺎ
ﻫﻲَ ﻧﻈﺮﺓٌ ﺗُﻨﺴِﻲ ﺍﻟﻮَﻗﺎﺭَ
ﻭﺗُﺴﻌِﺪ ﺍﻟﺮّﻭﺡَ ﺍﻟﻤُﻌنَّى
ﺩﻧﻴﺎﻱ ﺃﻧتِ ﻭﻓﺮﺣﺘﻲ
ﻭﻣُنَى ﺍﻟﻔﺆﺍﺩِ ﺇﺫﺍ ﺗَﻤنَّى
ﺃﻧتِ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀُ ﺑَﺪَﺕ ﻟﻨﺎ
ﻭاﺳﺘﻌﺼﻤﺖ ﺑﺎﻟﺒُﻌﺪِ ﻋنَّا
وتداول الناس شعر إدريس الجماع الذي قاله بهذه المرأة وبجمالها، فاشتهر شعره، وفي يوم وصلت هذه القصيدة إلى الأديب العقاد رحمة الله عليه، فسأل العقاد عن الشاعر الذي أنشد هذه الأبيات، فقيل له بأنّه إدريس الجماع وأنّه في هذا الوقت يرقد في مستشفى المجانين، فقال عباس العقاد: والله إنّ هذا لهو مكانه، لأنّ مثل هذا الكلام لا يخرج عن عاقل، فهو لا يستطيعه، ولا يستطيعه إلا مجنون كمجنون ليلى.
وعندما وصل إدريس الجماع إلى انجلترا، أخذه من كان معه إلى المستشفى، وعندما دخل رأى ممرضة عيونها جميلة، فأعجب إدريس بعيون هذه الممرضة، وأطال النظر بهما، فخافت الممرضة وقررت أن تخبر المسؤول عنها عنه، وعمّا فعل، وعندما فعلت قال لها المسؤول بأنّه مجنون، وليس بيده عليه من حيلة، ونصحها بأن ترتدي نظارات سوداء عندما تدخل عليه، وبالفعل عندما أرادت الممرضة الدخول على غرفة إدريس ارتدت نظارات سوداء، وعندما رآها إدريس أنشد قائلًا:
وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمدِ ﻻ ﺗُﺨشَى مضاربُه
ﻭﺳﻴﻒُ ﻋﻴﻨﻴﻚِ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎﺭُ
ولم تفهم الممرضة ما قال لها إدريس، فطلبت مِن مَن كان حاضرًا أن يترجم لها ما قال إدريس، وعندما ترجموا لها ما قال بدأت الممرضة بالبكاء.