ما لا تعرف عن مناسبة قصيدة “ﺃﻳﺎ ﻫﺠﺮ ﻟﻴﻠﻰ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﺑﻲ ﺍﻟﻤﺪﻯ”:
وأمّا عن مناسبة قصيدة ” ﺃﻳﺎ ﻫﺠﺮ ﻟﻴﻠﻰ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﺑﻲ ﺍﻟﻤﺪﻯ ” فيروى أن قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى، من شدة حبه لها ورفض أهلها تزويجها له، قد هام في الصحراء، واشتد به الشوق إلى ليلى، فكان لا يلبس قميصًا إلّا مزقه، وترك الناس وحديثهم، وأصبح لا يفقه شيئًا، واختطفته الأحزان والكرب، وسيطر عليه الجنون، وكان إذا ذكرت ليلى أمامه عاد إليه عقله، وأفاق ممّا هو فيه، وإذا انقطع ذكرها عنه، عاد إلى جنونه ووسواسه وسوء حالته، يأنس بالوحدة ويستريح فيها، ويتنسم الريح القادمة من نجد دار ليلى.
وبينما كان الوالي نوفل بن إسحاق في خرجة له في الصحراء إذ مرّ به وهو من دون ملابس، وقد كان يلعب بالتراب وجمع العظام حوله، فاقترب منه وقال: والله لم أر في حياتي أعجب من هذا الفتى، فقال لغلامه: ضع عليه شيئًا من الملابس، فقالوا له: هل تعرف من هذا؟، قال لهم: لا والله، فقالوا له: إنّ هذا مجنون بني عامر، فقال نوفل: والله إنّي كنت أحب أن ألقاه، فكيف لي الآن أن أقترب منه وهو على هذه الحال، فقالو له: عليك بذكر ليلى له، وعندها سوف يعود إلى رشده، فاقترب منه نوفل، وقال له: أيّها العاشق، إنّ ليلى تلقي عليك السلام، وعندها عاد عقل قيس له، وأقبل على نوفل يحادثه كأصح ما يكون من الرجال وهو يبكي، ويقول:
ﺃﻳﺎ ﻫﺠﺮ ﻟﻴﻠﻰ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﺑﻲ ﺍﻟﻤﺪﻯ
ﻭﺯﺩﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻠﻎ ﺍﻟﻬﺠﺮ
ﻋﺠﺒﺖ ﻟﺴﻌﻲ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻬﺎ
ﻓﻠﻤّﺎ ﺍﻧﻘﻀﻰ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺳﻜﻦ ﺍﻟﺪﻫﺮ
ﻓﻴﺎ ﺣﺒﻬﺎ ﺯﺩﻧﻲ ﺟﻮﻯ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ
ﻭﻳﺎ ﺳﻠﻮﺓ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻣﻮﻋﺪﻙ ﺍﻟﺤﺸﺮ
ﺗﻜﺎﺩ ﻳﺪﻱ ﺗﻨﺪﻯ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻟﻤﺴﺘﻬﺎ
ﻭﻳﻨﺒﺖ ﻓﻲ ﺃﻃﺮﺍﻓﻬﺎ ﺍﻟﻮﺭﻕ ﺍﻟﻨﻀﺮ
ﻭﻭﺟﻪ ﻟﻪ ﺩﻳﺒﺎﺟﺔ ﻗﺮﺷﻴﺔ
ﺑﻪ ﺗﻜﺸﻒ ﺍﻟﺒﻠﻮﻯ ﻭﻳﺴﺘﻨﺰﻝ ﺍﻟﻘﻄﺮ
ﻭﻳﻬﺘﺰ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ ﻗﻮﺍﻣﻬﺎ
ﻛﻤﺎ ﺍﻫﺘﺰ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﺒﺎﻥ ﻭﺍﻟﻔﻨﻦ ﺍﻟﻨﻀﺮ
فقال له نوفل: الحب جعل منك ما أنت عليه، فقال له قيس: اللهم نعم، بل سيبلغ بي أكثر ممّا ترى، وأنشد قائلًا:
أَيا حَرَجاتِ الحَيِّ حينَ تَحَمَّلوا
بِذي سَلَمٍ لا جادَكُنَّ رَبيعُ
وَخَيماتُكِ اللاتي بِمُنعَرَجِ اللَوى
بَلينَ بَلىً لَم تَبلَهُنَّ رُبوعُ
أَلا هَل إِلى لَيلى قُبَيلَ مَنِيَّتي
سَبيلٌ وَهَل لِلناجِعينِ رُجوعُ
إِلى اللَهِ أَشكو نِيَّةً شَقَّتِ العَصا
هِيَ اليَومَ شَتّي وَهيَ أَمسِ جَميعُ
فَلَو لَم يَهِجني الظاعِنونَ لَهاجَني
حَمائِمُ وُرقٌ في الدِيارِ وُقوعُ
وقال أيضًا:
خَليلَيَّ هَذا الرَبعُ أَعلَمُ آيَهُ
فَبِاللَهِ عوجا ساعَةً ثُمَّ سَلِّما
أَلَم تَعلَما أَنّي بَذَلتُ مَوَدَّتي
لِلَيلى وَأَنَّ الحَبلَ مِنها تَصَرَّما
سَأَلتُكُما بِاللَهِ لَمّا قَضَيتُما
عَلَيَّ فَقَد وُلّيتُما الحُكمَ فَاِحكُما
وعندما أكمل هذه الأبيات قال له نوفل: هل لك أن تأتي معي، حتى نصل إلى نجد، وأخطبها لك، وأعطيهم كل ما يريدون، فقال له قيس: هل حقًا ستفعل ذلك، فقال له نوفل: نعم، والله لو أتيت معي لأعملن ما بجهدي لأزوجك إياها، فوافق قيس، وذهب معه، وعندما اقتربت القافلة من ديارهم، استقبلوهم بالسلاح، وقالوا: والله لن يدخل المجنون، وقد أهدر دمه، وكلمهم نوفل فرفضوا إلّا أن يقاتلوا، وعندما رأى نوفل ذلك قال لقيس: انصرف فإنّ أمرهم صعب، فانصرف قيس خائب الأمل، وكان نوفل قد أمر له ببعض من الإبل، فردها عليه، وأنشد يقول:
رَدَدتُ قَلائِصَ القُرَشِيِّ لَمّا
رَأَيتُ النَقضَ مِنهُ لِلعُهودِ
وَراحوا مُقصِرينَ وَخَلَّفوني
إِلى حُزنٍ أُعالِجُهُ شَديدِ
أُحِبُّ السَبتَ مِن كَلفي بِلَيلى
كَأَنّي يَومَ ذاكَ مِنَ اليَهودِ