الرمضاء كما ورد في معاجم اللغة هي شدة الحرّ أو الأرض التي اشتدّ حرّها بسبب الشمس، وجذرها اللغوي “ر، م، ض”، ومن هنا جاءت تسمية “رمضان” بهذا الاسم، ويُقصد بالمستجير الذي يطلب العون والنجدة، وأما الكربة فهي المحنة والأزمة، وقيل أيضًا إن الرمضاء من الرمض الذي هو التراب الحار، أو الحصى الملتهب من شدة الاشتعال.
أما قولهم: “كالمستجير من الرمضاء بالنار” فهو بحكم التركيب والمجاز يُكنّى به عن الذي يستعين بواحد من الناس؛ ليخفف مصيبته فيزيده مصيبة على مصيبته، وهو مثل مشهور قيل في كليب بن ربيعة حين طعنه جساس، وكان معه عمرو بن المزدلف، فاقترب منه عمرو، فطلب منه كُليب أن يُغيثه بشربة ماء، فأجهز عليه عمرو، فصار مثلًا، وقيل فيه: المستجير بعمرو عند كربته … كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهذا المثل خرجت كلماته عن معناها الأصلي وصار تعبيرًا اصطلاحيًّا شاع استعماله بهذا المعنى البلاغي.
قصة مقولة كالمستجير من الرمضاء بالنار:
يُضرب مثل “كالمستجير من الرمضاء بالنار”، في الذي يُعرض عن رأي وجد فيه مشقة أو خطورة، إلى رأي آخر يحسبه آمنًا وأكثر سهولة، إلا أنه سرعان ما يكتشف أنه أكثر خطورة ومشقة من سابقه، ولهذا المثل عدة أقاويل أشهرها قصة وقعت مع كليب بن وائل وعمرو بن الحارث.
في قبيلة من قبائل العرب القديمة العريقة، كانت تلك قبيلة ربيعة، وهناك كان رجل معروف هو كليب بن ربيعة، إذ خرج كليب ذات يوم تحت عتمة الليل وسترها، فقام رجل بتتبعه من أبناء قبيلته ويدعى جساس، ويُروى أنه ابن عمه بهدف أن يتخلص منه ويقتله لسبب ما في نفس يعقوب، وقد أغفلته كتب التاريخ التي تناولت تلك الواقعة، ويُحكى أن جساسًا هذا غافل كليب وطعنه بخنجر مسموم طعنة غير قاتلة، ثم فرّ وتركه خلفه يصارع الألم والموت في طريق مقفر وليل موحش، وظل كليب على هذا الحال حتى بزغت شمس الصباح ومرّ به أعرابي آخر يدعى عمرو.
كان كليب يعرف عمرًا معرفة كبيرة، فهو رجل من آله وقبيلته، وعندما رآه كليب شعر باقتراب الفرج، ورجا أن تكون نجاته، فاستجار به كي ينقذه من الذي هو فيه، فلعله يعطيه شربة من ماء يبلّ بها جوفه وتعينه على الحياة، غير أن ما حدث كان عكس الذي يتوقعه كليب، إذ قام عمرو بمباغتته بخسّة ونذالة، وقام بالإجهاز عليه بدلًا من أن يجيره من كربه، أو يسقيه حتى شربة ماء، ومن هنا قالت العرب، وما زالت تقول:
المستجير بعمرو عند كُربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.