روجر بيكون كان فيلسوفًا إنجليزيًا وراهبًا فرنسيسكانيًا ركز بشكل كبير على دراسة الطبيعة من خلال الأساليب التجريبية، ويُنسب إليه أحيانًا بداية من القرن التاسع عشر كأحد أوائل المدافعين الأوروبيين عن المنهج العلمي الحديث المستوحى من أعمال أرسطو وأعمال أرسطو الزائفة فيما بعد مثل أعمال العالم المصري ابن الهيثم، ومع ذلك تؤكد عمليات إعادة التقييم الأخيرة أنّه كان في الأساس مفكرًا من العصور الوسطى، مع الكثير من معرفته التجريبية التي تم الحصول عليها من الكتب في التقليد المدرسي، كما وجدت دراسة استقصائية لاستقبال أعمال بيكون على مدى قرون أنّها تعكس في كثير من الأحيان المخاوف والخلافات المركزية للمستقبلين.
أقسام كتاب العمل العظيم لبيكون:
يعد كتاب لعمل العظيم (Opus maius) لروجر بيكون أحد أكثر النصوص العلمية والفلسفية تأثيرًا في عصره، ويمكن القول إنّه نقطة عالية في معرفة العلوم الفيزيائية في العصور الوسطى، وفي هذا العمل يوجه بيكون نداء لإصلاح التعليم، مشددًا على الدور الصحيح للعلوم في المناهج الجامعية والترابط بين مختلف التخصصات، وأُعدت هذه الأطروحة في عام 1267 بناءً على طلب البابا كليمنت الرابع، وهي عبارة عن مجموعة من الأفكار وموسوعة معرفية تشمل جميع العلوم بما في ذلك اللغة والمنطق والبصريات والرياضيات والفلسفة الأخلاقية والفيزياء.
يقدم بيكون نقدًا هيكليًا للممارسة المدرسية في الجامعات وذلك في بداية كتاب العمل العظيم (Opus maius) والأعمال ذات الصلة، وإنّه يفضل دراسة اللغة والعلوم على (طريقة الجملة) كطريقة لتفسير نصوص الفلسفة والكتاب المقدس، ويدعو إلى التدريب في الرياضيات والعلوم كمتطلبات لطلاب اللاهوت.
تمت كتابة أعمال بيكون اللاحقة حول اللغة والعلم في السياق التاريخي والسياسي المحدد للغزو المغولي لأوروبا، ونهب بغداد عام 1258 من قبل المغول، والوضع الجغرافي السياسي لأوروبا المحاصرة من قبل المغول والإسلام، حيث ساعد إحساسه بجغرافيا العالم من خلال تقارير السفر الخاصة بوليام روبروك (William of Rubruck)، والتي تم مؤخرًا تحديد السياق التاريخي الأوسع لمخاوف بيكون من قبل أماندا باور (Amanda Power)، والتقسيم العام لكتاب العمل العظيم (Opus maius) هو أفلاطوني أو رواقي هو:
1-دراسة اللغة.
2- الفلسفة الطبيعية أو الرياضيات.
3- الأخلاق.
بينما السياق العام هو اللاهوتي والفرنسيسكان وهي الفنون والعلوم التي تؤدي إلى رفاهية الإنسان في هذا العالم وما يليه.
من الواضح أيضًا أنّ بيكون يبني نموذجًا جديدًا لفلسفة القرون الوسطى، وهو نموذج يتم فيه تناول الاهتمامات الأرسطية وتجاوزها في الأفلاطونية الجديدة ذات التأثير الرواقي الروماني الكبير وتكييفها مع الفلسفة الأخلاقية واللاهوت المسيحي.
يتم تناول الميتافيزيقيا وإكمالها في الفلسفة الأخلاقية، حيث يصبح الأخير نهاية الدراسة اللغوية والعلمية، وينحصر المنطق في الرياضيات وأصبحت تطبيقات الرياضيات مركزية لفهم العلوم، والتي يمكن استخدام تطبيقات الرياضيات بدورها في الدين واللاهوت، لذلك في أعماله اللاحقة لا سيما في المنظور الخطي (Perspectiva) والعلم التجريبي (Scientia experimentalis)، سيحدد بيكون الخبرة-التجربة بطريقة جديدة تمامًا، وهي طريقة تتناول وتتجاوز أيضًا استخدام هذا المصطلح في أرسطو.
يتقدم تعريفه الجديد في الأسئلة الخاصة به من الأربعينيات، وزعم بيتر كينج (Peter King) مؤخرًا أنّ أوكام (Ockham) كان أول من ابتكر هذا التعريف الجديد للتجربة في عام 2003، كما إنّه محق في أنّ هذا التعريف موجود في أوكام ولكن ليس في الادعاء بأنّ هذا المفهوم بدأ مع أوكام، وقد تمت صياغة المفهوم في الأعمال العلمية لروجر بيكون وهو موجود في عدد من الكتاب الفرنسيسكان بما في ذلك جون بيتشام (John Pecham) قبل عصر أوكام.
محتوى الأجزاء السبعة لكتاب العمل العظيم:
قبل تقديم الأجزاء السبعة من كتاب العمل العظيم من المهم أن نلاحظ العامل الغائب عن المنحة الدراسية، وهو كيفية بناء مصادر بيكون الإسلامية لهذا العمل الرئيسي، وهذه المصادر بالطبع مدمجة مع مصادره اليونانية واللاتينية، والأهم هنا بالنسبة لعمارة هذا العمل الأخير هو علم الفارابي، حيث يتأثر هذا النص بشدة بتقسيم العلوم واختزال العلوم اللغوية والطبيعية إلى فلسفة أخلاقية.
في الجزء الرابع والقسم الأخير من الجزء السادس حول التكهنات والجزء السابع القسم الرابع يبدو أنّهما متأثران بمقدمة أبو معشر لعلم الفلك وكتاب الاقترانات، بينما في الجزء الخامس من عمله الفلسفي المنظور الخطي (Perspectiva) هو تحفة في تركيب معظم النصوص اليونانية والإسلامية الرئيسية في علم البصريات.
وتعتبر نصوص عالم الفلك والجغرافي اليوناني بطليموس وأبو يوسف يعقوب إسحق الكندي والحسن ابن الهيثم ذات أهمية خاصة، ومن الواضح أنّ هذا التركيب يؤثر على فهم بيكون الجديد للعلم التجريبي، ومع ذلك بالإضافة إلى هذا يجب على المرء أن يلاحظ أنّ بطليموس في كتابه المجسطي والبصريات والتنجيم يؤثر على فهم بيكون للمنهج في العلوم لأنّه يؤثر على تكامل العقل والخبرة.
وفي الجزء الثالث من العلم التجريبي تأثر بيكون بالتفسير المهم لبطليموس في علم الفلك، وهي مجموعة من مائة قول مأثور حول علم التنجيم وقواعد التنجيم، ألا وهي (Centiloquium) لأبي جعفر بن يوسف بن إبراهيم، ولكن نظرًا لأنّ العمل الفلسفي (على تكاثر الأنواع) (De multiplication specierum) لبيكون يعترف به باعتباره مفتاح البصريات، بحيث يجب على المرء أن يلاحظ الوجود الهيكلي لأطروحة الأشعة (De Radiis) المنسوبة إلى الكندي.
يوفر هذا العمل الأساس لعقيدته عن الأنواع التي سيتم توضيحها لهندسة الرؤية في المنظور الخطي (Perspectiva)، ونظرًا لأنّ كتاب العمل العظيم والأعمال اللاحقة ذات الصلة تهدف إلى رسم تخطيطي لعمل لغوي وعلمي وفلسفي ولاهوتي كبير، فإنّه يجب على المرء أن يلاحظ الانفتاح المهم الذي يتمتع به بيكون للعلم والفلسفة واللاهوت الذي تلقاه من العالمين الإسلامي واليهودي، وهذا قد يختلف تمامًا عن معاداة العروبة والمناهضة المتقطعة لليهودية التي أصبحت جزءًا أساسيًا من ثقافة عصر النهضة الغربية بعد عام 1300.
يحتوي الجزء الثاني على وجهة نظر ما قبل الديكارتي للحقيقة والحكمة كنتيجة لإعلان عالمي للعبرانيين الذي تم نقله عبر الإغريق والرومان والإسلام إلى المسيحية في العصور الوسطى، والذي سيكون هذا الرأي مؤثرًا في الفلسفة حتى عصر فرانسيس بيكون وديكارت، وروجر بيكون يربطها بعقيدة التنوير المأخوذة من أوغسطين وابن سينا والتعليق على (Pseudo-Ptolemy: Centiloquium)، وإنّه يقارن تقليد الفلاسفة العظماء مثل أفلاطون وأرسطو بالتقاليد الأسطورية من العصور القديمة.
يفحص الجزء الأول (أسباب الخطأ) في التعليم وينتقد بعض الحدود اللاهوتية للعلم، وهذه الأسباب هي:
1- الإيمان بالسلطة التي لا تستحق.
1- العرف الطويل.
3- الرأي العام غير الناقد.
4- إخفاء الجهل الأكاديمي في عرض للحكمة البلاغية.
يتم تقديم الجدل باعتباره نزاعًا بين المحامين القانونيين وعلماء الدين في باريس بشأن استقبال أرسطو والأعمال الحديثة في العلوم اليونانية والعربية وخاصة علم الفلك أو ما يسمى بعلم التنجيم، وهذا هو نداء روجر بيكون إلى حكمة القدماء.