إن لجميع الشعوب التي تتالت الحياة على وجه المعمور الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرّد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: كذّاب كذب الإبل.
فيم يضرب مثل: “كذاب كذب الإبل”؟
يُعدّ مثل: “كذّاب كذب الإبل” من الأمثال الشّعبيّة المشهورة المتداولة بين النّاس، والذي يُضرب عندما يحاول شخص ما أن يكذب أو يبالغ في الكذب مع الإصرار عليه.
أصل مثل: “كذّاب كذب الإبل”:
نسمع الكثير من الأقوال والأمثال من غير أن يتبادر إلى أذهاننا، أن نبحث عن أصل هذه المقولات والأمثال، أو كيف انتشرت؟ أو من قالها؟ ولمن؟ تُرى هل بالفعل تكذب الإبل ؟ وفي الواقع يعود أصل هذا المثل إلى حياة البدو في السابق، وكان لهذا المثل موقف قيل فيه حتى وصل إلى عصرنا الحاضر.
يُحكى أنّ مثل: “كذّاب كذب الإبل” يرجع في الأصل إلى أيام البدو، وذلك حين كانوا يتجولون في الصحراء باستخدام الجمال “الإبل”، وفي بعض الأحيان كانت الإبل تقوم بتحريك فمها يمنةً ويسرةً، كأنها تأكل الطعام، الأمر الذي يضلّل راعي الجمال، فيأخذ ينظر حولها؛ ذلك أنه في بداية الأمر يعتقد أنها وجدت حشائش أو أيّ شيء تأكله في وسط هذه الصحراء، إلّا أنّه سرعان ما يكتشف أنّها لا تأكل أصلًا، وإنما تُحرّك شفتيها، ومن هنا ظهرت مقولة: “كذّاب كذب الإبل”؛ لأنها كانت تضلّلهم في بداية الأمر عن طريق تحريك شفتيها، وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ تحريك الإبل لفمها يمينًا ويسارًا، له تفسير علميّ، وهو: أنّ الإبل من الحيوانات المُجترّة، ويكون الأكل بهذه العملية بمرحلتين، وليس كالبشر الذين يأكلون الطعام بمرحلة واحدة، ويُقصد بالمرحلتين: أن يتمّ أكل الطعام ووضعه في المعدة، ومن ثمّ إرجاعه إلى الفم مرة أخرى ليتم بلعه.