اقرأ في هذا المقال
- مفهوم الصداقة
- تعريف علاقة الصداقة
- مفهوم الصداقة لدى الحكماء والفلاسفة القدماء
- أهمية الصداقة
- مضمون مثل “لا تتخذ صديقاً قبل أنّ تأكل شوالاً من الملح معه”
مفهوم الصداقة:
تُعرف العلاقة الإنسانية التي تقام بين أي شخصين هي الصداقة، وهي ما تُبنى على مجموعة من الأسس التي تمتاز بالمتانة والتفاهم القوي، الصدق والتعاون المشترك بين الطرفين، المحبة والإخلاص المتبادل من كلا الجهتين، بالإضافة إلى العنصر الرئيسي في تلك العلاقة وهو عنصر الثقة، لكن في إذا حدث أي خلل في الأسس التي بنيت تلك الصداقة عليها، فإنّ تلك العلاقة سوف تهتز وتتهشم وتضعف وتتحول إلى كراهية مطلقة، فالأساس في تعريف كلمة الصداقة في المعاجم أنّها مشتقة من كلمة صدق، حيث تمنح للأشخاص في تلك العلاقة بأن يقوموا بالتشارك في كافة ما يجول في خواطرهم بكل صدق ومحبة وإخلاص.
تعريف علاقة الصداقة:
تتمثل الصداقة الحقيقية في التشارك والمساندة بين شخص وصديقه كافة الظروف والمواقف التي يمر بها أي منهم، إذ لا يكون هناك الخير في الأصدقاء إن لم يتحمل ويسند كل منهما الآخر في المواقف والظروف الصعبة، كما تتميز الصداقة الحقيقية بين الأصدقاء بالكتمان في الأسرار كل منهما إلى الآخر، حيث لا يظهرها إلى الملأ، ولا يتطرق إلى الحديث بها أمام عامة الناس، فالصديق الحقيقي هو من يقوم في المدافعة عن صديقه في حال غيابه، كما يتوجه إلى السؤال عن صديقه والاطمئنان عليه باستمرار.
مفهوم الصداقة لدى الحكماء والفلاسفة القدماء:
توجه العديد من الحكماء والفلاسفة إلى تعريف مفهوم الصداقة، ومن أشهر الفلاسفة الذي تحدثوا حول موضوع الصداقة هو الفيلسوف اليوناني المشهور (أرسطو)، حيث قام بتوضيح مفهوم الصداقة من وجهة نظره، إذ اعتبر (أرسطو) أنّ الصداقة هي عبارة عن منظومة من المشاعر التي يتم تبادلها بين مجموعة من الناس داخل المجتمعات.
إنّ تلك المشاعر تتميز بوجود تشابه مشترك في الآراء والأذواق، وعن طريق الانخراط في المشاركات الوجدانية والمعاشرة الجيدة، فإنّه تتولد الكثير من الأمور التي تشكل حيز مهم في الحياة، ومن تلك الأمور ما يتمثل في المحبة دون التطرق إلى وضع شروط، نكران الذاتية لدى الشخص والكرم.
قام الفيلسوف اليوناني (أرسطو) مفهوم الصداقة بين الأشخاص بمستوى السعادة التي تحصل للشخص، إذ تُعد علاقة الصداقة من أهم المفاهيم التي تؤثر بشكل إيجابي على نفسية البشر، مما تجعلها تحدد علاقة الشخص على وجه الخصوص مع نفسه، وعلى وجه العموم في العلاقات التي يقيمها مع الأشخاص الآخرين الذي يملكون الصفات المشتركة نفسها.
كما قام (أرسطو) ببيان الأهمية الكبيرة والعظيمة التي تتميز بها علاقة الصداقة، وهي تتمثل في حماية الشخص من الوقوع في الأخطاء، ومساعدته في حال وقع بها، إذ تُعتبر الصداقة بمثابة الملجأ الأكثر أماناً الذي يتوجه إليه الفرد عند شعوره بالضعف والحزن.
كما تطرق (أرسطو) إلى توضيح مدى تأثير الصداقة على المجتمع بأكمله، فاعتبر الصداقة بمثابة سهم خير قادر على نشر العدل في كافة المجتمعات من خلال حكمته الشهيرة (متى أحب الناس بعضهم البعض لم تعد حاجة إلى العدل غير أنّهم مهما عدلوا فإنّهم لا غنى لهم عن الصداقة، وإنّ أعدل ما وجد في الدنيا بلا جدال هو العدل الذي يُستمد من العطف والمحبة).
كما عمل (أرسطو) إلى تقسيم أنواع العلاقات في الصداقة، النوع الأول هو الصداقة النفعية: ويُعد هذا النوع من الصداقة ما يتم تحديد القيمة التي تكمن به من خلال الفوائد التي ترتبط بشكل كبير في بالمقابل، حيث بين الفيلسوف من خلال هذا النوع أنّ الصداقة تُعتبر قائمة بشكل مؤقت، إذ تنقطع وتنتهي بمجرد انتهاء المصالح التي تترتب عليها.
النوع الثاني من أنواع الصداقات لدى (أرسطو) هو الصداقة المتعة: فقد أوضح الفيلسوف ما يقصده في هذا النوع بأنّه يظهر عند حدوث ازياد وارتفاع في درجة المتعة لدى الأشخاص، وهذا النوع من العلاقات سرعان ما ينتهي ويزول بزوال المتعة.
النوع الثالث والأخير من أنواع الصداقة حسب رأي (أرسطو) هو الصداقة الفضيلة: إذ اعتبر الفيلسوف أنّ هذا النوع من الصداقات هو من أسمى أنواع العلاقات، حيث أنّه يكون مبني في أساسه على التشابه الكبير بين الفضائل العظيمة والخصال الحسنة بين الطرفين، كما أوضح أنّ من الصعب أن تزول وتستمر طوال الحياة بين الأشخاص.
كما قام الفيلسوف اليوناني المشهور (أفلاطون) إلى تناول مفهوم الصداقة وتعريفه من وجهة نظره، حيث عرف الصداقة على أنّها عبارة عن علاقة تتسم بالمحبة الخالصة والمشتركة بين الأنا والغير، إذ تعتمد في مبدأها الأساسي على أنّ الفرد يعيش في وسط حالة وجودية، تنقسم ما بين الخير والشر، حيث أوضح أنّ الخير يقصد به الكمال والشر يقصد به النقص.
كما قام بتوضيح وبيان أنّ الفرد عندما يكمن في داخله الصفات الحسنة، فإنّه لا يحتاج إلى شخص آخر فهنا يكون من وجهة نظره مكتفياً بنفسه وذاته، بينما الفرد الذي يتصف بصفات الشر فإنّه يحتاج إلى أن يكتسب الصفات الحسنة من شخص آخر، وذلك حتى يتمكن من الوصول إلى صفة الكمال، وأضاف إلى أنّه من يمر بالحالة الوسطية هو من يقوم بالبحث عن الصديق الحسن حتى ينشئ علاقة الصداقة معهم.
كما قام الفيلسوف (أفلاطون) ببيان النتيجة الحتمية من وجهة نظرة وهي ما تتمثل في أنّه لا يمكن إقامة علاقات صداقة بين الشخص الشبيه والشخص الشبيه له، ولا بين الفرد المتناقض والنقيض له، وقد أشار إلى أنّ علاقات الصداقة تقام بين فردين مختلفين، لكنهما في المقابل لا يكونوا متناقضين مع بعضهما بل متكاملين، أي يكمل كل منهما الآخر؛ وقد أوضح أنّ هذا هو السبب الرئيسي وراء عدم إقامة علاقات الصداقة بين الشخص العارف والشخص المعروف، وبالتالي فإنّ علاقات الصداقة تكون بين الذي يعرف شيء والذي لا يجهل شيء، إذ أنّ الأساس الرئيسي الذي ترتكز عليه علاقات الصداقة هو التكامل.
أهمية الصداقة:
ينتج عن العلاقات التي تقام بين الأصدقاء العديد من الأمور المهمة التي تعود بشكل إيجابي على الإنسان، من تلك الأمور زيادة الإنتاجية؛ حيث ما نتج عن العديد من الدراسات التي أقيمت حول أهمية الصداقة أنّها تجلب السعادة وتحسين المزاج وهو ما ينعس بإيجابية كبيرة على المستوى العملي، فالعديد من الأشخاص الذين ربطتهم علاقات صداقة وطيدة وقوية هم من كانوا يحصلون النسبة الأكبر في الإنتاجية، وذلك من خلال مقارنتهم بأشخاص لا يملكون الصداقات والعلاقات.
كما تمثلت أهمية الصداقة في إيجاد الملجأ الداعم على الدوام في الأوقات العصيبة، حيث أنّها قادرة على تخفيف التوتر والضغط، كما أنّها تستطيع اخراج الشخص من الاكتئاب النفسي، كما تعمل أهمية الصداقة على تعزيز الصحة العاطفية والجسدية وتحسينها، إذ تساهم بشكل فعال في الخروج من العوارض الصحية بوقت أقصر، كما تجعل الشخص يتفاعل مع الآخرين ومحاربة الشعور الذي يتجسد بالخوف والحزن والإحباط.
مضمون مثل “لا تتخذ صديقاً قبل أنّ تأكل شوالاً من الملح معه”:
تناول المثل الإنجليزي موضوع الصداقة وأهمية انتقاء الأصدقاء والثقة بهم، ونظراً إلى الأهمية التي تكمن في الصداقة، فقد توجه الحكماء والفلاسفة إلى الخروج بالمثل وتوضيح مفهومه ودلالاته، وبيان مدى تأثير الصداقة على النفس البشرية، حيث أكد المثل الإنجليزي على ضرورة انتقاء الأصدقاء بعد التأكد من أنّهم يستحقون الثقة التي توضع بهم، وعلى أنّهم قادرون على إعطاء الشخص الطاقة الإيجابية التي تنعكس بشكل جيد على حياته.