لا في العير ولا في النفير

اقرأ في هذا المقال


لكل أمة على هذه الأرض موروثها الثقافيّ الخاص، والذي بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “لا في العير ولا في النفير”.

أصل مثل “لا في العير ولا في النفير”:

يُعتبر هذا مثل “لا في العير ولا في النفير” من أكثر الأمثال العربية شيوعًا وشهرة، وقد قيل في زمان نبينا محمد- صلّى الله عليه وسلم- على بني زهرة من قبل قبيلة قريش؛ وذلك لما رفضوا الاشتراك في الحرب ضد سيدنا محمد، لأنهم أبوا محاربته وهو ابن بنتهم آمنة بنت وهب الزهرية، وهذا المثل يُقال في الشخص قليل النفع، والذي ليس له دور في الأحداث، كما أنه يقلل من شأن صاحبه، ويجعل أمره مستهان به بين الناس، وأما الذي أطلق المثل فهو أبو سفيان بن حرب، وذلك تقليلًا من شأن بني زهرة.

فيم يضرب مثل “لا في العير ولا في النفير”؟

كما أسلفت أن مثل “لا في العير ولا في النفير” يُضرب في أي شخص لا نفع منه، ولا دور له في الأحداث، وهذا المثل حين يُقال فهو يقلل من شأن صاحبه، ويجعل أمره مستهان به بين الناس، كما أنه يُقال للشخص الذي لا يصلح لمهمة ويُحتقر لقلة نفعه، وأما العير فهو قافلة الحمير أو الإبل، وأطلقت على كل قافلة، والنفير القوم ينفرون معك ويتنافَرون في القتال.

قصة مثل “لا في العير ولا في النفير”:

أما قصة المثل فتعود إلى السنة الثانية من الهجرة عندما كان أبو سفيان بن حرب، راجعًا إلى مدينة مكة بقافلة قريش التجارية، وكان الرسول- صلّى الله عليه وسلم- في ذلك الحين متوجهًا إلى المدينة المنورة، فلما علم بقدوم قافلة قريش أراد تأديبها، وعندما سمع بذلك أبو سفيان ارتعدت فرائضه من نبينا محمد عليه أفضل الصلاة الله وأتم التسليم وصحبه، وقام بتغيير مسار القافلة؛ وذلك كي يبتعد عن الطريق الذي كان من المفترض أن يسير به.

خوف أبي سفيان الشديد دفعه أن يقوم بطلب النجدة من قريش واستنفرهم ليدافعوا عن القافلة، وكما حثهم على محاربة جند محمد- صلى الله عليه وسلم- وبالفعل هبت قريش لذلك، وجمعت الجنود وتأهبت لتقاتل سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة السلام، ولما نجت قافلة قريش بعد أن غير أبو سفيان اتجاه المسير أرسل إليهم يخبرهم بهذا، ويطلب منهم العودة، ذلك أن القافلة عادت سالمة دون أي خسائر في المال أو الأرواح.

على الرغم من نجاة القافلة وعودتها سالمة، إلا أن قريش أبت إلا أن تحارب سيدنا محمد- صلّى الله عليه وسلم- لتأديب المسلمين، فلم تعد، بينما عادت بني زهرة حينما علمت بوصول القافلة، فلما قابلهم أبو سفيان قال لهم: طلا في العير ولا في النفير”، أي ليس لكم بعير القافلة أي في التجارة التي تحملها البعير، ولا في النفير أي الحرب والاستنفار للدفاع عن مال قريش”، وكان يقصد بهذا أن يهينهم، ذلك أنهم لم يساعدوه، فليس لهم في هذا ولا ذاك، وهم قليلو الشأن ولا يصلحون لشيء.


شارك المقالة: