لا يهزم جيش فيه القعقاع:
عندما كانت جيوش المسلمين تُقاتل الفُرْس على الجبهة الشرقية في العراق؛ أمر أبو بكر الصّديق خليفة رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _، قائد جيوشه خالد بن الوليد بالتوجه إلى العِراق لمواجهةِ جيوش الفرس، وطلب خالد أن يَمُدهُ بجنود إضافيين من المسلمين بعد أنْ استُشهد عدد كبير من أفراد جيشه في حروب الرّدة. فَأمدَّهُ أبو بكر برجلٍ واحد فقال له: أتُمِدُّ رجلاً انفَضَّ عنه جنوده بِرَجل؟ فقال أبو بكر: لا يُهزم جيشٌ فيه القعقاع بن عمرو.
من هو القعقاع؟
إنّه القَعقاع بن عمرو بن مالك التميمي؛ صحابي من صحابة رسول الله، وهو فارس وقائدٌ حربي مسلم، وأحد القادة العَسكريين المشهورين في الحروب؛ شهد حروب الرّدة والفتوحات الإسلامية، وكان من أعظمها اليرموك والقادسية. ظهرت ملامح شخصيته الحربية بوضوح شديد في الفتوحات، فقد كان شجاعاً ثابتاً في أرض المعارك وبجوار شجاعته كان شديد الذكاء وذا حنكة عسكرية في إدارة المعارك. وعندما نعود للتاريخ نجد بأنَّ هذا الصحابي نراهُ دائماً في كلِّ موقعة يشتدُّ فيها القتال؛ سواءً مع الفُرس أو الروم.
يبعث عمر بن الخطاب برقيّة عاجلة إلى قائد جُيوشه في الشَّام “أبي عبيدة بن الجراح”، ويقول له فيها أن يرسل الجُنْد الذين جاءوهُ من العراق مع “خالد بن الوليد”؛ إلى ”سعد بن أبي وقاص” ليكونوا عَوناً له في فتح بلاد فارس، وكان عددهُم ستة آلاف منهم خمسة آلاف من قبيلتي ربيعة ومُضَر، وألف من اليمن وكان أمير الجيش الذي أعادَهُ خالد إلى العراق، هو “هاشم بن عتبة بن أبي وقاص” وعلى مقدّمةِ هذا الجيش صاحبنا “القعقاع بن عمرو”؛ وعندما وصل القعقاع إلى القادسية، وهو المكان الذي حصلت فيه المعركة بينَ الفُرس والمسلمين؛ أراد أن يكون وصوله نذير شُؤم على الفُرس، وأنْ يَبُثَّ الرُّعب في قلوبهم، فقَسّم أصحابه وكانوا ألف جندي إلى أعشار، بحيث يتقدّمُون عشرة عشرة مُثِيرين زوبعة من التُّراب، وكأن العشرة مائة ونَفّذوا خُطته، وكُلّما وصل عشرة إلى مشارف الفُرس جاء بعدهم عشرة آخرون، ثم أثار الحَميّة في نفوس جنوده وتَقدّمهم إلى الفُرس؛ وكان مِمّن قتَلهُم القعقاع (بهمن جادويه)،أحد قادة الفَرس؛ الذي كان قدْ قتل: أبي عُبيد وسُليط والمثنّى بن حارثه، وكان الفرس قتلوا آلاف المسلمين في هذه معركة الجسر التي استُشهِد فيها هؤلاء.
حنكة القعقاع العسكرية:
وكان من دلائل حنكته العسكرية الفَذَّة؛ أنّهُ أشار على “سعد بن أبي وقّاص” قائد معركة القادسيّة، أن يُلبس خيول المُسلمين الثّياب المُبرقعة، من أجل إخافة الفيلة التي زَجَّت بها الفرس في القتال، وأشار أيضاً على رُماة السّهامِ في جيش المُسلمين، بأن يُوجّهوا سهَامهم إلى عيونِ الفيلة لقَلعها حتى لا ترى شيئاً وتَسقُط.
وعندما سأل عمر بن الخطاب أيّ فارس أيام القادسية كان أفْرس؟ وأيّ رجل كان أرْجل؟ وأي راكب كان أثبت؟ أجابه سعد بن أبي وقاص أنّه لم يَرَ مثل القعقاع بن عمرو.
إضافة إلى حنكته وذكاءه العسكري؛ كذلك سجّل وصوّر القعقاع معاركهُ التي اشترك فيها بشعره ووصفه الدَّقيق لمجرياتها، وإشادته ببطولات المسلمين فيها، فكان من أكثر شعراء الفتوحات شعراً، وممّا قال عن موقعة اليرموك:
أَلَم تَرَنا عَلى اليَرموكِ فُزنا كَما فُزنا بِأَيامِ العِراقِ
قَتَلنا الرومَ حَتّى ما تُساوي عَلى اليَرموكِ مَفروقَ الوِراقِ
فَضَضنا جَمعَهُم لَمّا اِستَحالوا على الواقوصَةِ البُترِ الرقاقِ
غَداةَ تَهافَتوا فيها فَصاروا إلى أَمرٍ تَعَضَّلَ بِالذَواقِ.
انتصر المُسلمون على الفُرس في معركة الحيرة؛ وأقام خالد بن الوليد؛ القعقاع عليها، حتى أُكمل فتح بلاد فارس، ولم تَدُم إقامة القعقاع في الحيرة كثيراً، فما هي إلا أيام حتى أرسل له خالد رسالة من الشّام يستدعيه فيها، ليقود هجوم المسلمين على الرّوم في معارك اليرموك ومعه عكرمة بن أبي جهل، اللّذين يُعتبران روح الجيش الإسلامي في جميعِ المعارك. فمن معركة إلى معركة، ومن جبهةٍ إلى جبهة، ومن نصر إلى نصر؛ كان يتنقّل القعقاع عبر معارك الجيوش الإسلامية.
إذا أردت أن تَكتب عن القعقاع وعن بلاءه وشدّته في المعارك، فسيطولُ الحديث عنه، ولكنَّ هذه المقولة《لا يُهزَمُ جيش فيه القعقاع بن عمرو، التي قالهَا في حقّهِ خليفة رسول الله أبو بكر الصديق؛ جعَلت شُهرتهُ في التّاريخ الإسلامي كقائد ومُحارب عسكري إسلامي فَذّ، لهُ شَخصيّتهُ وصبغتهُ وحِنكتهُ العسكرية القتالية التي امتاز بها.