مؤسس الفلسفة النفعية الحديثة لجيرمي بنثام

اقرأ في هذا المقال


الفيلسوف الإنجليزي والمصلح الاجتماعي المنفعي حظي بالاهتمام أولاً بصفته ناقدًا للمنظر القانوني الرائد في إنجلترا في القرن الثامن عشر للسير ويليام بلاكستون، وكان لحملة بنثام للإصلاحات الاجتماعية والسياسية في جميع المجالات وأبرزها القانون الجنائي التي لها نظريًا أساس في النفعية وتم شرحه في مقدمته لمبادئ الأخلاق والتشريع، وهو عمل كتب عام 1780 ولكنه لم ينشر حتى عام 1789 صاغ فيه مبدأ المنفعة والذي يوافق على إجراء ما بقدر ما يكون للفعل الميل العام لتعزيز أكبر قدر من السعادة.

نظرة عامة لمفهوم المنفعة لدى الفيلسوف جيرمي بنثام:

يتم تحديد السعادة من خلال المتعة وغياب الألم، ولإيجاد الاتجاه العام للفعل رسم بنثام حساب التفاضل والتكامل (صنع السعادة) والذي يأخذ في الاعتبار شدة ومدة واحتمالية ومدى وما إلى ذلك من الملذات والآلام.

في نظرية بنثام يكون الفعل المطابق لمبدأ المنفعة صحيحًا أو على الأقل ليس خطأ، بحيث يجب أن يتم ذلك أو على الأقل ليس الأمر أنّه لا ينبغي القيام به، لكن بينثام لا يستخدم كلمة “واجب” هنا، فبالنسبة إلى بنثام تعتبر الحقوق والواجبات مفاهيم قانونية مرتبطة بمفاهيم القيادة والعقوبة، وما نسميه بالواجبات والحقوق الأخلاقية يتطلب مشرّعًا أخلاقيًا (من المفترض أنّه كائن إلهي) ولكن المفاهيم اللاهوتية خارج نطاق نظريته، وإنّ الحديث عن الحقوق والواجبات الطبيعية يوحي كما كان بقانون بدون مشرع وهو لا معنى له مثل الحديث عن الابن بدون والد.

وبصرف النظر عن الاعتبارات النظرية أدان بنثام أيضًا الإيمان بالحقوق الطبيعية على أساس أنّها ألهمت العنف وسفك الدماء كما سجل التاريخ في تجاوزات الثورة الفرنسية، حيث اعتقد بنثام في البداية أنّ رجال الدولة المستنيرين والمتحمسين للعامة سيتغلبون على غباء المحافظين ويؤسسون خطوات تقدمية لتعزيز السعادة العامة.

وعندما بدأت خيبة الأمل طور تعاطفا أكبر مع الإصلاح الديمقراطي وامتدادا للامتياز، وأعرب عن اعتقاده أنّه مع التحسن التدريجي في مستوى التعليم في المجتمع سيكون من المرجح أن يقرر الناس ويصوتون على أساس الحساب العقلاني لما سيكون لمصلحتهم على المدى الطويل، وبالتالي فإنّ اتخاذ القرارات الفردية العقلانية بشكل إجمالي تميل بشكل متزايد إلى تعزيز السعادة العامة الأكبر.

ولسوء الحظ لم يكن الفيلسوف جيرمي بنثام على علم بحدوده، فلقد حاول تحديد ما يعتقد أنّه المفاهيم الأساسية للأخلاق لكن غالبية تعريفاته مبسطة أو غامضة أو كليهما، ويعد حساب التفاضل والتكامل الخاص به وهو طريقة لحساب كميات السعادة كما اعترف حتى أشد المعجبين به لا يمكن استخدامه، وبصفته عالمًا أخلاقيًا وعالمًا نفسيًا بدا أنّ بنثام غير ملائم بالمثل حيث أنّ حججه وإن كانت في بعض الأحيان مفصلة، إلّا أنّها تستند في كثير من الأحيان إلى المقدمات غير الكافية والغامضة.

كما أنّ تحليلات جيرمي بنثام للمفاهيم المستخدمة لوصف وشرح السلوك البشري بسيطة للغاية، ويبدو أنّه يعتقد أنّ الناس أنانيون تمامًا وأنّ كل شخص يجب أن يروج لأكبر قدر من السعادة بغض النظر عن الشخص، ولا حتى الصيغة التي صنع منها الكثير وهي “السعادة الأكبر لأكبر عدد” أنّها لها معنى محدد، وبالنظر إلى كل هذا تجدر الإشارة إلى أنّ نشر مخطوطات بنثام التي لم تكن معروفة سابقًا في النصف الثاني من القرن العشرين قد ساهم كثيرًا في تعزيز سمعته كفيلسوف قانون أكثر منها كفيلسوف نفعي.

مؤسس الفلسفة النفعية الحديثة جيرمي بنثام:

جيريمي بنثام الفقيه والمصلح السياسي، وهو الفيلسوف الذي يرتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا بالعصر التأسيسي للتقليد النفعي الحديث، وأعلن الأخلاقيون في وقت سابق عن العديد من الأفكار الأساسية والمصطلحات المميزة للفلسفة النفعية وأبرزها جون جاي وفرانسيس هوتشيسون وديفيد هيوم وكلود أدريان هيلفيتيوس وسيزار بيكاريا، ولكن بنثام هو الذي قدم النظرية في شكلها العلماني والمنهجي المعروف.

حيث جعلها أداة حاسمة للفلسفة الأخلاقية والقانونية والتحسين السياسي والاجتماعي، وفي عام 1776 أعلن نفسه للعالم لأول مرة على أنّه من دعاة المنفعة كمبدأ إرشادي للسلوك والقانون في جزء من الحكومة، وفي مقدمة لمبادئ الأخلاق والتشريع (طُبع عام 1780 الذي نُشر عام 1789) كتمهيد لتطوير نظرية قانون العقوبات قام بتفصيل العناصر الأساسية للنظرية النفعية الكلاسيكية.

كذلك كان من المقرر أن يكون قانون العقوبات هو الأول في مجموعة من القوانين التي من شأنها أن تشكل عمومًا نفعيًا وهي مجموعة كاملة من القوانين القائمة على مبدأ المنفعة، والتي كان تطويرها لإشراك بنثام في عمل مدى الحياة وكان من المقرر أن يشمل القانون المدني والإجرائي والقانون الدستوري.

فلسفة بنثام في المذهب النفعي:

وكان غير مدركًا لنسخة هتشسون للصيغة النفعية في تحقيق في أصل أفكارنا عن الجمال والفضيلة (1729) كان بينثام ينخدع أحيانًا بذاكرة خاطئة ليعتقد أنّه اكتشفها في مقال بريستلي عن المبادئ الأولى للحكومة (1768)، ومع ذلك فإنّ ما هو منطقي أكثر هو ادعاءاته بأنّه وجدها في كتاب بيكاريا في عام 1764 في الجرائم والعقوبات (Dei Delitti e delle Pene) حيث أعلن مصلح القانون الإيطالي أنّ المعيار الصالح الوحيد لتقييم مزايا القانون هو أقصى سعادة مقسمة إلى أكبر عدد (la messima felicità divisa nel maggior numero) وأعظم سعادة لأكبر عدد.

عند قراءة أطروحة هيوم عن الطبيعة البشرية (1739-1740) التي أعلنت أنّ جميع الاستفسارات الاجتماعية يجب أن تستند إلى الطريقة التجريبية للاستدلال وجد بنثام أنّ الفضيلة تعادل المنفعة والتي شعر فيها كما لو أنّ المقاييس قد سقطت من العيون، وبعد أن استعار مصطلح المنفعة من هيوم تحول بنثام بعد ذلك في عام 1758 إلى مصطلح (الروح – De l’esprit)، حيث حدد (Helvétius) إمكانية أن تكون المنفعة بمثابة دليل للسلوك البشري من خلال الربط بين الفكرة المرتبطة بالكلمة “السعادة” والأفكار المرتبطة بكلمات “اللذة” و “الألم”.

وهذا يعني كما أشار في “مقال حول النفعية” (1829) أنّ إرفاق كلمتَي “المنفعة “و”مبدأ المنفعة” أصبحت الآن أفكارًا وفيرة، ومنها تم البدء في تطبيق مبدأ المنفعة للاستخدامات العملية.

تمثل كتابات بنثام تحديات مميزة لمؤرخ الأفكار بجيث لا تتوافق تواريخ النشر دائمًا مع وقت التأليف، وفي بعض الحالات مع مرور سنوات عديدة، فقد تم نشر عدد لا بأس به بعد وفاته ولا يزال البعض يظهر في طبعات موثوقة، وتم إنتاج العديد من المخطوطات أو تحريرها أو ترجمتها بأيدي أخرى من المخطوطات الأصلية مع القليل من التحكم الكتابي.

في سنواته الأخيرة أعاد بنثام النظر في جوانب فلسفته النفعية وسعى إلى تحديد مكانه في التقليد النفعي في “مقال حول النفعية”، ومع ذلك في كثير من الأحيان كانت أفكاره تركز على المسائل الدستورية بما في ذلك الهياكل الإدارية والترتيبات الرسمية وغير الرسمية لديمقراطية تمثيلية قابلة للحياة، وباختصار طرق ووسائل الحد من السلطة السياسية والسيطرة عليها أو كما وصفها بنثام أوراق مالية ضد سوء الحكم.

كان الغرض من اقتراح التدوين الموجه إلى جميع الدول التي تدعي الآراء الليبرالية (1822)، والإعلان عن أوراق اعتماده كمدقق للقانون للسياسيين ورجال الدولة في جميع أنحاء العالم:

  • الأول: من خلال وضع المبادئ النفعية لقانون شامل.
  • الثاني: من خلال تقديم شهادات عن أهليته لمهمة التدوين.

حيث جاءت الشهادات من جميع أنحاء العالم في الأعوام 1814-1822، في شكل مقتطفات من خطابات وطلبات للحصول على معلومات وخطابات دعم من أمثال:

  • فرانسيس بورديت وهنري بروجهام في إنجلترا.
  • وزراء الحكومة وممثلي الكورتيس في إسبانيا والبرتغال.
  • الليبراليون الإيطاليون والفرنسيون حكام الولايات.
  • الممثلون السياسيون الآخرون في “الولايات الأنجلو أمريكية”.
  • الإمبراطور الروسي ألكسندر.
  • رجل الدولة البولندي المؤثر الأمير كزارتوريسكي.

في السنوات التالية أنتج بنثام مسودة بناءً على مسودة عناصر من القانون الدستوري، ولم يتم نشر سوى المجلد الأول من ثلاثة مجلدات خلال حياته، وفي هذه الكتابات علق ألوانه بشكل لا لبس فيه على القضية الجمهورية، ولكنه أظهر أيضًا إحساسًا حادًا بالأهمية المتزايدة للوظائف الإدارية للدولة الحديثة.

في سن الشيخوخة كان بينثام يحب أن يصمم لنفسه “ناسك ساحة الملكة” (موقع منزله في لندن)، لكنه لم يكن سوى ناسك (راهب)، في ديسمبر 1823 قدم الأموال لبدء مراجعة وستمنستر (Westminster) وهي دورية مخصصة للآراء الراديكالية.

كما تولى دورًا قياديًا في حركة الإصلاح القانوني والإصلاح السياسي وحافظ على اتصالات منتظمة مع الإصلاحيين والناشرين والمثقفين الذين يميلون إلى نفس الميول في الداخل والخارج وكان محاطًا بتلاميذ عملوا كأمناء ومتعاونين ومساعدي تحرير.

وبطريقة ما عمل كل من ما يلي مع بنثام:

  • The Mills.
  • Place.
  • George Grote.
  • Richard Smith.
  • Peregrine Bingham.
  • Thomas Southwood Smith.
  • Edwin Chadwick.
  • John Bowring.

بالإضافة إلى آخرين مثل توماس بيرونيت طومسون وتشارلز بولر وجون روبوك وجوزيف هيوم حيث أصبح هؤلاء فيما بعد يُعرفون باسم “الراديكاليين الفلسفيين” (وهي عملة من مجموعة جون ستيوارت ميل)، على الرغم من أنّ المجموعة في الواقع كانت أقل تماسكًا مما هي يعتقد أحيانًا.

كان لبثام تأثير كبير على النفعي الاشتراكي الأيرلندي ويليام طومسون ولفترة من الوقت حافظ على علاقات وثيقة مع “المحرر” الأيرلندي دانيال أوكونيل الذي سعى إلى ربطه بالقضية الراديكالية في البرلمان، وكان بورديت وبروجهام أيضًا من المعارف العزيزة على الرغم من أنّ هذا لم يمنع بنثام من التعبير عن شكوك حول تكريس الإصلاح الجذري للأول أو من انتقاد مقترحات الأخير لإصلاح المحكمة القضائية في اللورد بروغام ديبليد (1832).

كتاب مبادئ الأخلاق والتشريع لجيرمي بنثام:

في مقدمة لمبادئ الأخلاق والتشريع (IPML) وهو عمله الرئيسي في هذه الفترة المبكرة وصف المنفعة بأنّها “تلك الخاصية في أي كائن والتي تميل إلى إنتاج المنفعة أو الميزة أو الخير أو السعادة، ومبدأ المنفعة باعتباره ذلك المبدأ الذي يوافق أو لا يوافق على كل فعل على الإطلاق، فوفقًا للميل الذي يبدو أنّه يضطر إلى زيادة أو تقليل سعادة الطرف والذي تكون مصلحته موضع تساؤل، وسيعطي بنثام هذه الافتراضات الأساسية عرضًا ودعمًا جدليًا ومزيدًا من الصقل في العقود التالية لكن تفعيل مبدأ المنفعة هو الذي امتص معظم طاقته ووقته خلال حياة عمل طويلة ومنتجة للغاية.

في عام 1781 صاغ بنثام – الذي كان مسرورًا باختراع مصطلحات جديدة لوصف المفاهيم الفلسفية – اسم النفعي في تسجيل حلمه عندما كان ضيفًا في منزل راعيه السياسي اليميني ويليام بيتي إيرل شيلبورن الثاني ( 1737-1805)، وفي هذا الحلم تخيل نفسه مؤسس طائفة، وبالطبع شخصية ذات قدسية كبيرة وأهمية، حيث كانت تسمى طائفة النفعيين ”(نص الحلم في كريمينز 1990 ، 314).


شارك المقالة: