من المعروف أن فن الترجمة في بداياته كان يقتصر على الترجمة المكتوبة، وكان مجالها يقتصر على ترجمة كتب الأدب فقط، ولكن مع ازدهر الحضارات والتطوّرات التي وصلت لها البلدان صارت الترجمة تشمل مجالات كثيرة ومتنوّعة، وتم استحداث الترجمة التقنية، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن تعريف الترجمة التقنية وعن أهم الأسس المتبعة في تدريسها.
أسس تدريس الترجمة التقنية
عندما نتحدّث عن الترجمة التقنية فيكون المقصود أوّلاً بأن كلمة الترجمة تعني نقل النص من لغته الأصلية إلى لغة المترجم، أو عملية معالجة للمعلومات كما عرّفها البعض، أمّا عند الحديث عن الترجمة التقنية فنعني بها ترجمة النصوص العلمية والتي تختصّ بالتكنولوجيا الحديثة، ومنهم من عرّف الترجمة التقنية هي ترجمة أي نص لا يحتوي على شعر، ومنهم من عرّفها بأنّها ترجمة للنصوص التي تحتوي على معادلات كيميائية وفيزيائية فقط.
ولكن في نهاية الأمر تم الاتفاق على أن النصوص الأدبية تختلف تماماً عن النصوص التقنية؛ وهذا لأن النصوص الأدبية أو العادية قد تحتوي على نص إخباري، وهذا لا يمكن شمله مع النصوص التقنية، كما أن النصوص الأدبية تركّز كثيراً على شكل النص وجماليّته، وهذا على العكس من طبيعة النصوص التقنية، والتي سيطرت على الكثير من مناحي الحياة، ولكن البعض يرى بأن النصوص التقنية قد تنفذ إلى الأدب الحديث، ولكن تظلّ الترجمة التقنية بالنهاية ترجمة لنصوص تحمل معلومات تقنية تخصّها.
ومن أجل التعريفات المتعدّدة للترجمة التقنية، تم وضع أسس ومعايير خاصّة بها، وأهم هذه الأسس التي تندرج تحت مسمّى الأسس النظرية، وأهم هذه الأسس هي ما يلي:
- التعارض في النقل إلى اللغة الأم والترجمة، وأحياناً تسمّى اللغة الأم باللغة الطاغية، وهنا يكمن تعارض كبير في نقل النصوص التقنية من لغتها الأم إلى لغة الهدف، ويقصد بالتعارض هو الأمانة في النقل، يقول ديديرو ودالامبير صاحب تعريف الترجمة من خلال أساس التناقض في النقل: (النقل إلى اللغة الطاغية أكثر حرفية وأكثر تعلّقاً بآليات اللغة الأصلية وأكثر خضوعاً في طرائقه لوجهة نظر البناء التحليلي، أمّا الترجمة فهي أكثر اهتماماً بمضمون الأفكار وأكثر اكتراثاً في إبرازها في الشكل الذي قد يناسبها في اللغة الجديدة، وهي أكثر خضوعاً في تعابيرها لتراكيب هذه اللغة وتعابيرها الخاصة).
لذلك عند تدريس الترجمة التقنية فإنّ أهم ما يتم التركيز عليه في أسسها هو الابتعاد عن مسلك المترجمين المتدرّبين أو المبتدئين، والذين يتبعون مبدأ الترجمة في النقل فقط، ويتم تعريفهم بأهم الأخطاء التي تقود إليها الترجمة التقليدية، لذلك تم استحداث طرق أفضل للنقل، وتتمثّل هذه الطرق في اتباع نظرية المعنى، والتي وضعها الكاتب الشهير (د.سليسكوفيتش)، وتركّز هذه الدراسة على عدم ترجمة النصوص التقنية كلمة بكلمة، بل هي تنظر إلى المعنى والرسالة المراد إيصالها من خلاله.
ويجب اتباع مبدأ الترجمة التداولية كما أسماها (جان دوليل) وهي ترجمة صنف بذاته يختلف عن النصوص الأخرى، واتباع نهج فهم دلالات الألفاظ في النصوص كما في النصوص الإخبارية على سبيل المثال، فالترجمة تحتاج إلى ما يسمّى بالرياضة الذهنية، بالإضافة إلى الاهتمام بالشكل والإيقاع وغيره.
كما أن الترجمة التقنية تحتاج إلى البحث عن الصياغة المناسبة وحشد المعلومات، وجهود تبذل في سبيل دمج المعلومات بشكل تدريجي، فهي ظاهرة اكتساب واستيعاب؛ فالمترجم يستغلّ باكتساب معلومات جديدة الخبرة الواسعة في الترجمات التالية، وجهاز الحاسوب وحده مهما استطاع اكتساب كم كبير من المعلومات، فإنّه لا يمكن له أن يستطيع استغلالها في ترجمات أخرى كما يفعل الإنسان؛ لذلك يجب أن تكون ترجمة الحاسوب تحت إشراف المترجم دائماً.
- الأساس الآخر هو عثرات المقاربة على طريقة النقل إلى اللغة الطاغية، كانت الترجمة في السابق تقتصر على ترجمة النصوص كلمة بكلمة، وذلك باستخدام القاموس والمعجم، وكان يتم عمل المقاربة دون محاولة الفهم أو عمل الصياغة النهائية، وهذا الأمر لا ينطبق على ترجمة النصوص التقنية، وكما وصف كتاب الترجمة بتشبيهه عملية المقاربة في الترجمة بأنّها تشبه ورقة امتحان الطالب، والتي لا يقوم الطالب المجتهد بتسليمها إلّا بعد عمل مسودّة أولى ويقوم بمراجعتها، وهذا أكبر دليل على أن المترجم المجتهد والمحترف يفعل تماماً كما يفعل الطالب المجتهد، والذي لا يقوم بتسليم عمله إلّا بعد التأكّد من دقّته وسلامته من الأخطاء.