ما وراءك يا عصام؟

اقرأ في هذا المقال


كل أمة على كوكب الأرض تمتلك الإرث الثقافيّ الذي يخصها، والذي يعبّر بدوره عن الكثير من الوقائع والأحداث والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “ما وراءك يا عصام؟”

فيم يضرب مثل”ما وراءك يا عصام؟”

يُعدّ مثل “ما وراءك يا عصام؟”، من الأمثال العربية المشهورة، وقد كان وراء هذه المقولة التي راحت مثلًا، قصة، تعود في أصولها إلى الحارث بن عمرو ملك كندة، أما المثل فيُضرب في الاستخبار عن الشيء.

قصة مثل: “ما وراءك يا عصام”:

روى المفضل الضّبيّ أن أول من قال مقولة “ما وراءك يا عصام؟”، هو الحارث بن عمرو ملك كندة، وذلك أنه حين بلغه جمال ابنة عوف بن محلم الشيباني وكمالها وقوة عقلها، قام بدعوة امرأة من كندة يُقال لها: “عِصام”، وقد كانت ذات عقل ولسان وأدب وبيان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف، فمضت حتى انتهت إلى أمها، وهى أمامة بنت الحارث، فأعلمتها ما قدمت له، فأرسلت أمامة إلى ابنتها، وقالت: أي بنية، هذه خالتك أتتك لتنظر إليك، فلا تستري عنها شيئًا إن أرادت النظر من وجه أو خلق، وناطقيها إن استنطقتك.

دخلت “عصام” على ابنة عوف، فنظرت إلى جمال ما رأت مثله قط، فخرجت من عندها وهي تقول: “ترك الخداع من كشف القناع”، فأرسلت عبارتها هذه مثلًا، ثم إنها انطلقت إلى الحارث، فما إن رآها مقبلة، حتى قال لها: “ما وراءكِ يا عصام؟”، فقالت: “صرح المخض عن الزبد، رأيت جبهة كالمرآة المصقولة، يزينها شعر حالك كأذناب الخيل، وإن أرسلته خلته السلاسل، وإن مشطته قلت: عناقيد جلاها الوابل، وحاجبين كأنما خُطّا بقلم أو سُوّدا بحمم، تقوّسا على مثل عين ظبية عَبهرة، بينهما أنف كحدّ السيف الصّنيع، حفّت به وجنتان كالأرجُوان في بياض كالجمان، شُقّ فيه فم كالخاتم، لذيذ المبتسم، فيه ثنايا غُر ذات أشَر تقلّب فيه لسان ذو فصاحة وبيان، بعقل وافر وجواب حاضر، تلتقي فيه شفتان حمراوان”، وأطنبت في وصف جمالها ومفاتنها، فأرسل الملك إلى أبيها فخطبها، فزوّجها إياه.

رواية أخرى لمثل: “ما وراءك يا عصام”:

نُقل عن أبي عبيد أنه قال: “ما وراءكَ” على التذكير، لا التأنيث، وقال: يُحكى أن الذي تكلم بالمثل هو النابغة الذبياني، وقد قاله لعصام بن شهبر حاجب النعمان، وكان مريضًا، وقد أرجف بموته، فسأله النابغة عن حال النعمان، فقال: ما وراءك يا عصام؟، ومعناه: ما خلفك من أمر العليل، أو ما أمامك من حاله، ووراء: من الأضداد، يقول البعض إنه يجوز أن يكون أصل المثل كما ذُكر أعلاه، ثم اتفق الاسمان، فخوطب كل بما استحق من التذكير والتأنيث، وأما قول النابغة: “فإني لا ألومك في دخول ولكن ما وراءك يا عصام؟”، فهو يُضرب في الاستخبار عن الشيء، ومما يجدر الإشارة إليه أن عبارة “ما وراءكَ يا عصام؟”، قد وردت في قصيدة “عليا وعصام” أو “رلى عرب”، والتي نظمها الشاعر اللبناني قيصر المعلوف المتوفى سنة 1960م.


شارك المقالة: