تمت تسمية ديفيد (David) في مخطوطات معينة لثلاثة أعمال فلسفية كمؤلف لها وهي:
1- مجموعة من المحاضرات التمهيدية في الفلسفة.
2- تعليق على مقدمة البورفيري (Porphyry).
3- تعليق على فئات أرسطو التي تُنسب في الوقت الحاضر إلى إلياس (Elias).
يتم أخذ الاسم بشكل شائع على أساس الأدلة الداخلية لهذه الأعمال، وذلك للإشارة إلى فيلسوف ومعلق مسيحي أفلاطوني حديث، ومن المفترض أنّه عمل في الإسكندرية في منتصف أو النصف الثاني من القرن السادس أو حتى بعد ذلك، ويتم تحديد الاسم ديفيد هذا أيضًا بشكل شائع مع ديفيد الذي لا يقهر، وهو شخصية مهمة في التاريخ المبكر للفلسفة الأرمنية، لكن التعريفات الذاتية من هذا النوع محفوفة بالمخاطر للغاية.
ديفيد وفلسفة أفلاطون وأرسطو:
شهدت بيزنطة في القرن السادس على الفور ازدهارًا أخيرًا وانحدارًا كبيرًا في تقليد تأليف التعليقات الفلسفية على أعمال أفلاطون وأرسطو، وهو تقليد بدأ بجدية في القرن الثاني الميلادي، حيث ينتمي ديفيد مع إلياس وستيفانوس (Stephanus) الغامضين بشكل متساوٍ تقريبًا، إلى المرحلة الأخيرة من هذا التقليد الذي بلغ ذروته في النصف الأول من القرن السادس، وذلك مع التعليقات العظيمة لأمونيوس هيرميو (Ammonius Hermeiou) وتلاميذه سيمبليسيوس (Simplicius) وجون فيلوبونوس (John Philoponus) في الشرق مع بوثيوس في الغرب.
إذا تم استبعاد تعليقًا على الفئات التي ينسبها التقليد في المخطوطة بشكل موحد إلى (ديفيد)، ولكنها من حيث الأسلوب والعقيدة أكثر ارتباطًا بالأعمال المنسوبة إلى (إلياس)، فلا يزال هناك نصان يجب اعتبارهما أعماله، أحدهما بعنوان (مقدمة إلى الفلسفة) والمحاضرات الأخرى حول (مقدمة إلى فئات أرسطو) لبورفيري.
يشير مؤلف هذه النصوص إلى أوليمبيودوروس (Olympiodorus) أربع مرات حيث ربما كان تلميذه، وقد شغل أوليمبيودوروس الذي كان وثنيًا كرسي الفلسفة في الإسكندرية خلفًا لأمونيوس (Ammonius) وإيوتوسيوس (Eutocius) لأكثر من 30 عامًا من حوالي 530 إلى حوالي 565، وهذه هي الأدلة الوحيدة التي تزودنا بتقدير تقريبي لوقت التكوين.
ديفيد وكتابات موجودة في الفلسفة:
نشأ كل من (مقدمة إلى الفلسفة) والتعليق على البورفيري من النشاط التعليمي للمؤلف ويفترض أن يكون في مدرسة الإسكندرية، وينقسم النص بالكامل إلى محاضرات قائمة بذاتها إلى حد ما، والتي تسمى التطبيق العملي، وهي بنية رسمية استخدمها أولمبيودوروس لأول مرة.
يتكون مقدمة في الفلسفة من أربعة وعشرون محاضرة من هذا القبيل، وفي الواقع تشير النصوص الموجودة في عناوينها إلى أنّها مكتوبة من صوت ديفيد، وهذا يعني أنّه أثناء قيام المعلم بإلقاء المحاضرة كان على الطالب أن يأخذ ملاحظات كثيرة ثم يتم نسخها وتعميمها، وهي ممارسة لم تكن شائعة في مدرسة الإسكندرية.
كان إلقاء محاضرات تمهيدية للمبتدئين في الفلسفة جزءًا أساسيًا من التعليم العالي في الإسكندرية، وقد قام أمونيوس وأوليمبيودوروس بتدريس مثل هذه المحاضرات، ومع مرور الوقت أصبحت الطقوس أكثر تفصيلاً، حيث يبلغ طول مقدمة في الفلسفة لإلياس ضعف طول مقدمة أمونيوس، وهي أطول بأربعة أضعاف طول مقدمة ديفيد، وكما هو الحال اليوم كانت محاضرة من هذا النوع مناسبة لإلهام الطلاب بحب الفلسفة، في حين كانت محاضرات أمونيوس جافة جدًا وإلى حد ما، حيث ارتدى إلياس عباءة مفكر ترفيهي، وظهر ديفيد كرجل جاد شغوف بالفلسفة.
ففي السطور الافتتاحية لمحاضرته الأولى أوضح ديفيد بأنّ أولئك الذين يحبون الحجج الفلسفية بشغف وتذوقوا المتعة التي تنبع منها بأطراف أصابعهم بعد وداعًا لجميع اهتمامات الحياة، ينجذبون نحو هذه الحجج من خلال نوع من الجنون وفي أرواحهم يستحضر الحب لهم من قبل معرفة الأشياء الموجودة.
ويدعّي ديفيد بأنّه سيتم التعلم بمساعدة الله وأنّ الفلسفة هي فقط هذه المعرفة التي سيتعلم منها المرء، وأنّه بما أنّ المحبة الحكيمة والرغبة العظيمة تدفع المرء إلى هذا الصراع، سيتم تناول الصراع الإلهي للفلسفة دون اعتبار المهمة التي أمام المرء صعبة، حيث بدلاً من ذلك عندما يتم النظر إلى نهاية الوعد الإلهي للفلسفة فإنّه سيُعتبر أي جهد أدنى منه ويعتبر كذلك ثانويًا.
على الرغم من أنّ هذا الفكر لدى ديفيد الوثني يعتبر في مقام المسيحية، حيث أنّه من الخطأ بالتأكيد أن نحسب انقسامًا واضحًا بين الالتزامات الفكرية ومشاعر المسيحيين والوثنيين في العصور القديمة المتأخرة.
فمن المدهش أنّ نصوص وفلسفة ديفيد لا يعطينا أي إشارة إلى أنّ المؤلف كان مسيحيًا بالفعل، ولكن على العكس من ذلك فإنّه هناك العديد من السمات التي تنتمي إلى عالم الدين الوثني القديم، حيث العالم أبدي والروح خالدة والأجرام السماوية إلهية، كما يتم السماع عن أرواح غير عقلانية التي تنتقم وحوريات تعيش طويلًا، وعلاوة على ذلك يبدو أنّ ديفيد يبشر بين طلابه محاولًا تحويل عقولهم وأرواحهم نحو الفلسفة اليونانية الوثنية التي تُفهم على أنّها التزام بأسلوب معين في الحياة.
في تسلسل الدورات التدريبية تبعت المقدمات النقدية والتمهيدية (Prolegomena) محاضرات حول (مقدمة إلى فئات أرسطو) الرئيسية في البورفيري، حيث أنّ البورفيري الذي بدأ التقليد الأفلاطوني الحديث للتعليقات على أرسطو في نهاية القرن الثالث.
وقد اقترب البورفيري من عضو مجلس الشيوخ الروماني كريساريوس (Chrysarius) والذي واجه صعوبة كبيرة في فهم فئات أرسطو، حيث يخبر إلياس وديفيد طلابهما كيف اغتنم بورفيري الفرصة لكتابة ما يجب أن يكون نصًا شائعًا ومؤثرًا للغاية وما يسمى بـ (Isagogê) أي بمعنى مقدمة، وأنّ النص يتعامل مع شرح مفصل للمفاهيم الأساسية الخمسة المنطقية الأنطولوجية وهي:
1- الجنس.
2- الأنواع.
3- التفاضل.
4- السمة الأساسية.
5- السمة العرضية.
يوضح ديفيد أنّ فهم هذا النص هو في الواقع ليس فقط شرطًا لفهم مقولات أرسطو، ولكنه يخدم أيضًا كإعداد للفلسفة بشكل عام، وهذا بالإضافة إلى توفير تدريب في المنهج الديالكتيكي، ووجهة نظره هي أنّ المصطلحات التي يشرحها البورفيري هي اللبنات الأساسية لأي نوع من الخطاب الفلسفي، ففي النصين اللذين ما زلنا نمتلكهما يشير المؤلف أيضًا إلى تفسيره الخاص للمقولات والتفسير والفيزياء، لكن لم يتم اكتشاف هذه التعليقات، ولا نعرف ما إذا كان ديفيد حاضر أيضًا عن أفلاطون أم لا.
مشكلة التأليف:
لا نعرف ما إذا كانت النصوص المنقولة باسم ديفيد قد تمت كتابتها في وقت كان أوليمبيودوروس لا يزال حيًا ونشطًا، أو ما إذا كانت تعود إلى العقود الأخيرة من القرن السادس وبداية القرن السابع، ويؤدي عدم القدرة على تحديد تاريخ هذه النصوص إلى تفاقم الصعوبات التي تحيط بالإسناد إلى فيلسوف يُدعى ديفيد.
هذه الصعوبات ثلاثية هي:
1- لا يوجد في التقليد اليوناني في أي مكان دليلاً على وجود فيلسوف إسكندراني يدعى ديفيد.
2- من الواضح أنّ النصوص التي لدينا تم توزيعها وقراءتها على نطاق واسع، وترجمت نسخة مختصرة ومبسطة من مقدمات نقدية في الفلسفة (Prolegomena to Philosophy) في مرحلة ما إلى اللغة الأرمينية، وأُعطيت النسخة الأرمنية لقبًا جديدًا ونُسبت إلى (ديفيد الذي لا يقهر)، والذي كان وفقًا للتقاليد الأرمنية رجل دين من القرن الخامس.
ومن المستحيل تصديق أنّ اللاهوتي الأرمني والفيلسوف (الاسكندري) بعد قرن كانا متشابهين، كما لا يوجد سبب للاعتقاد بأنّ ديفيد الأخير كان من أصل أرمني، وهنا أدى التلقيح المتبادل للتقاليد الفكرية إلى قدر كبير من الالتباس الذي يستحيل تمامًا في غياب المخطوطات السابقة توضيحه.
3- جميع المخطوطات اليونانية القديمة (من القرن 11 فصاعدًا)، إما مجهولة المصدر أو تنسب محتوياتها إلى إلياس، أو إلى القديس ديفيد من سالونيك، أو إلى القرن 10 العالم البيزنطي نيسيتاس من بافلاغونيا الذي أطلق على نفسه الاسم الرهباني ديفيد.
وفقط مخطوطات القرن السادس عشر وواحدة من القرن الرابع عشر تحمل اسم ديفيد على الإطلاق كمؤلف، ويبدو أنّه من غير الحكمة وضع الكثير من الثقل، ومن الممكن تمامًا أن تكون النصوص التي لدينا الآن تحت اسم ديفيد قد تم تداولها لأول مرة كمذكرات محاضرة مجهولة المصدر ولم تُنسب إلّا لاحقًا إلى مؤلف يحمل اسمًا مسيحيًا لتعزيز أهميتها وسلطتها بين القراء المسيحيين.