كانت فلسفة أمريكا اللاتينية أصلية ومشتقة، ويتضمن جزء كبير من تاريخها عملًا مشتقًا من الشخصيات والحركات الفلسفية الأوروبية، وفي الوقت نفسه أنتجت فلسفة أمريكا اللاتينية فلاسفة مهمين ومقاربات أصلية للمشاكل الفلسفية القديمة، وصياغات لمشكلات جديدة ليست موجودة بالفعل ضمن التقاليد الفلسفية الأوروبية، وعلاوة على ذلك فإنّ جميع التقاليد الفلسفية الأوروبية التاريخية كانت موجودة في أمريكا اللاتينية مثلها مثل معظم الحركات المعاصرة في الولايات المتحدة وأوروبا.
الأنثروبولوجيا الفلسفية:
كان حجر الزاوية في الفلسفة الوضعية في أمريكا اللاتينية هو المفهوم العلمي للبشر الذي تم صرفه من الناحية النفسية من أجل حل مشكلة العقل والجسد، وهاجم أنصار الوضعية هذا المفهوم للشخصية وشرعوا في تطوير أنثروبولوجيا فلسفية من شأنها أن توفر بديلاً جذابًا للمفهوم الوضعي للأشخاص، وعمليًا كل الفيلسوف معترف به قانونيًا شارك في هذا المشروع.
ظهرت ثلاثة مناهج رئيسية:
1- أنثروبولوجيا حيوية.
2- أنثروبولوجيا الروح.
3- العديد من البدائل الوجودية أو الماركسية.
تأثرت مجموعة الفلاسفة الذين تبنوا شكلاً من أشكال النزعة الحيوية بشدة ببرجسون، وفي الإصدارات المبكرة من هذا النهج تم رفض الأنثروبولوجيا الوضعية على أساس أنّه لا مكان لها للحرية، وكان من بين أهم المؤيدين الأوائل لهذا الرأي:
1- فاز فيريرا من أوروغواي.
2- أليخاندرو ديستوا من بيرو.
3- أنطونيو كاسو من المكسيك.
4- إنريكي مولينا من تشيلي.
5- أليخاندرو كورن من الأرجنتين.
في عمل كل من كاسو وفاسكونسيلوس فإنّ السمة المميزة للبشر هي الوعي من النوع الذي يُزعم أنّه يتعارض مع وجهات النظر الحتمية أو الآلية للعالم.
فتحت أعمال هؤلاء المؤلفين وزيارة الفيلسوف الإسباني الشهير خوسيه أورتيغا جاسيت الأنثروبولوجيا الفلسفية في أمريكا اللاتينية لتأثير موجة جديدة من الفلاسفة الأوروبيين، على وجه الخصوص أدى هوسرل ودلثي وشيلر وهارتمان إلى نهج مختلف داخل الأنثروبولوجيا الفلسفية: أنثروبولوجيا الروح.
وكان من بين أهم مؤيدي هذا الرأي:
1- صمويل راموس من المكسيك.
2- فرانسيسكو روميرو من الأرجنتين.
3- ريزيري فرونديزي من الأرجنتين.
4- فرانسيسكو ميرو كيسادا من بيرو.
5- ليوبولدو زيا من المكسيك.
بالنسبة لراموس الشعور وليس العقل هو السمة المركزية للإنسانية، وبالنسبة لروميرو السمة التي تميز البشر هي الازدواجية، وبالنسبة لميرو كيسادا السؤال الأساسي ميتافيزيقي أي (ما هو الإنسان؟) تميل الشكوك حول إمكانية العثور على نظرية مناسبة إلى تحويل التحدي إلى مادة معرفية بدلاً من مادة ميتافيزيقية.
في الخمسينيات وأوائل الستينيات اكتسبت الوجودية موطئ قدم بين الفلاسفة في أمريكا اللاتينية، ومن بين أهم الوجوديين أو الماركسيين في أمريكا اللاتينية هما ارلوس أسترادا من الأرجنتين وفيسنتي فيريرا دا سيلفا من البرازيلالذين تأثروا بشكل خاص بهيدجر، وكلاهما كان مهتمًا بما إذا كان هناك شيء مثل الجوهر البشري، ويجادل أسترادا بأنّه لا يوجد إنسان ليس لديه جوهر محدد وهذا يشكل مشكلتهم الأساسية.
في المكسيك تناول مجموعة متنوعة من الفلاسفة البارزين -أعضاء مجموعة هايبريون – لفترة وجيزة الموضوعات الوجودية، وتخلوا عنها في غضون بضع سنوات قصيرة.
الهوية الفلسفية لأمريكا اللاتينية:
كانت فكرة فلسفة أمريكا اللاتينية موضع جدل ساخن في معظم القرن العشرين، وللجدل عدة بؤر، ومن أكثرها إثارة للجدل هي:
1- الوجود.
2- الهوية.
3- الخصائص.
4- الإبداع.
5- الأصالة.
فهل يوجد شيء اسمه فلسفة أمريكا اللاتينية؟ على ماذا تتكون هويتها؟ وهل بها أي علامات فارقة؟ وهل هي أصلية؟
الخلافات عميقة في الإجابات على هذه الأسئلة، وهناك ما لا يقل عن أربع طرق للنظر إليها اعتمادًا على النهج المستخدم:
1- عالمي.
2- ثقافي.
3- ناقد.
4- عرقي.
يرى الكوني الفلسفة كنظام عالمي مشابه للعلم، وبالتالي فإنّ القضية الأساسية بالنسبة إلى الكونيين تدور حول ما إذا كان الأمريكيون اللاتينيون قادرين على إنتاج نوع من الانضباط العالمي الذي يتوقعه المرء عندما يكون العلم نموذجًا، ومشاكلها مشتركة بين جميع البشر وطريقتها شائعة أيضًا ويفترض أن تكون استنتاجاتها صحيحة بغض النظر عن الظروف الخاصة، ويرى معظم الكونيين مثل فرونديزي أن فلسفة أمريكا اللاتينية فشلت إلى حد كبير في هذا الصدد.
يعتقد الثقافي أنّ الحقيقة هي دائمًا منظورية وتعتمد على وجهة نظر، وتعتمد طريقة اكتساب الحقيقة دائمًا على السياق الثقافي، والفلسفة هي مشروع تاريخي غير علمي يهتم بتطوير وجهة نظر عامة من منظور شخصي أو ثقافي معين، وفقًا لذلك يمكن للثقافي أن يسمح بوجود فلسفة أمريكا اللاتينية بقدر ما انخرط الأمريكيون اللاتينيون في تطوير وجهات النظر من منظورهم كأفراد أو كأمريكيين لاتينيين، وباستخدام أي وسيلة يجدونها مناسبة للقيام بذلك، سواء كانت أصلية، أو أنتجت نوعًا من الفلسفة العلمية فهي أمور غير ذات صلة وهذا هو موقف ليوبولدو زيا.
يعتبر النهج النقدي الفلسفة نتيجة للظروف الاجتماعية وترتبط ارتباطًا وثيقًا بتلك الظروف، وبعض الشروط تؤدي إلى إنتاج الفلسفة أو ما يسمى أحيانًا بالفلسفة الأصيلة في حين أنّ البعض الآخر ليس كذلك، ولسوء الحظ فإنّ مؤيدي هذا الموقف رأوا عادةً فلسفة أمريكا اللاتينية على أنّها فشل في هذا الصدد بسبب الظروف السائدة في المنطقة.
وفقًا لهم فلسفة أمريكا اللاتينية هي فلسفة غير أصيلة، وبالتالي فهي ليست فلسفة حقيقية وستظل كذلك طالما استمر فلاسفة أمريكا اللاتينية في محاكاة آراء الفلاسفة من العالم المتقدم.
يجادل النهج العرقي بأنّ فلسفة أمريكا اللاتينية يجب أن تُفهم على أنّها فلسفة أنتجها شعب أمريكا اللاتينية، وإنّ فكرة أمريكا اللاتينية كشعب هي المفتاح لفهم كيف أنّ فلسفة أمريكا اللاتينية لديها وحدة في التنوع وإنّه واحد لأنّ مجموعة عرقية أنتجته، لكنه يختلف من مكان إلى آخر وعبر الزمان لأنّ الظروف التاريخية المختلفة تدفع الناس الذين ينتجونها إلى معالجة مشاكل مختلفة واعتماد وجهات نظر وأساليب مختلفة، ويسعى هذا النهج إلى فهم كيف يمكن أن تكون فلسفة أمريكا اللاتينية عالمية وخاصة وأصيلة.
أثيرت الأسئلة المتعلقة بمفهوم فلسفة أمريكا اللاتينية لأول مرة في أمريكا اللاتينية في القرن 19، ومع ذلك لم يتم استكشافها بجدية حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين ولا سيما من قبل زيا وفرونديزي، ومنذ ذلك الحين كان هذا الموضوع مصدرًا دائمًا للنقاش والجدل، وفي الواقع ربما يكون الموضوع الأكثر مناقشة في فلسفة أمريكا اللاتينية.
الفلسفة النسوية:
منذ القرن 19 على الأقل كان للعمل الأكاديمي النسوي في أمريكا اللاتينية علاقة معقدة ومتضاربة بشكل عام مع العمل الأكاديمي والفلسفي بشكل عام، على سبيل المثال بعد الاستقلال مُنحت النساء وصولاً أكبر إلى التعليم ولكن الاهتمامات النسوية المعروفة كانت تميل إلى أن تكون في الغالب هامشية للنقاش الأكاديمي والفلسفي.
دفع هذا التاريخ البعض إلى القول بأنّ الفلسفة النسوية لا ينبغي أن تتمحور في الفلسفة ولكن في مجموعة متنوعة من المجالات الأكاديمية والممارسات الاجتماعية (غالبًا ما تكون ناشطة)، على سبيل المثال أكدت أوفيليا شوت أنّ الفلسفة النسوية تتطلب موطنًا في نظرية نسوية أمريكا اللاتينية الأوسع وليس في مجال الفلسفة في أمريكا اللاتينية لأنّ النسوية حديثة جدا هناك بحيث لا تستطيع أن تغير بشكل فعال قرون من الهيمنة الفكرية الذكورية في الفلسفة.
على الرغم من العلاقة المتناقضة المستمرة للفلسفة النسوية مع الفلسفة الأكاديمية في أمريكا اللاتينية، كان هناك مع ذلك سلسلة متكررة من العمل الفلسفي الأكاديمي في سياق نسوي محدد منذ نهاية القرن التاسع عشر، على سبيل المثال ألقى الفيلسوف الأوروغواياني كارلوس فاز فيريريا سلسلة من المحاضرات في عام 1917 حول النسوية، والتي نُشرت لاحقًا في عام 1935 تحت عنوان على النسوية _Sobre feminismo).
نشرت الفيلسوفة المكسيكية غراسييلا هييرو بشكل مكثف عن الأخلاق النسوية ودور الحركة النسائية في الأماكن العامة والأكاديمية، علاوة على ذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي كان هناك نمو كبير في هذا المجال، مع عمل مهم من قبل هؤلاء الشخصيات ماريا بيا لارا وماريا لويزا فيمينياس وأوفيليا شوت، وكان قدر كبير من الفلسفة النسوية الحديثة عابرًا للحدود الوطنية في مصادرها، مستندة بشكل واضح إلى الفلسفة الأكاديمية في الأمريكتين وأوروبا القارية، ولكنها أيضًا مستوحاة من تاريخ النشاط النسوي في أمريكا اللاتينية وأبحاث العلوم الاجتماعية والروايات الشخصية.
يجعل تنوع اهتمامات ومواقف النسويات في أمريكا اللاتينية من الصعب تقديم وصف بسيط ولكنه دقيق للمجال، ويُعتقد أحيانًا أنّه مقارنة بالولايات المتحدة من أشكال الفكر النسوي، وكان للنسوية في أمريكا اللاتينية اهتمام أكبر إلى حد ما بالتحليل النقدي للعائلات والطبقة والعرق.
تماشيًا مع الدافع الأوسع للتقاليد الفلسفية لأمريكا اللاتينية إلى انعكاس النقد الذاتي حول تقاليدها، وربما يكون من العدل القول إنّ الفلسفة النسوية في أمريكا اللاتينية كانت انعكاسية أو ذاتية النقد بشكل خاص حول ما تعنيه متابعة الفلسفة النسوية في أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال شدد الفلاسفة النسويون على الحاجة إلى الاعتراف بأنّ الفلاسفة الأكاديميين أينما كانوا يتمتعون بامتياز ثقافي قد يضعهم على مسافة من الظروف المعيشية لمعظم النساء في أمريكا اللاتينية.
بالنظر إلى مثل هذا النموذج من الامتياز المعرفي حيث كمسألة ممارسات اجتماعية فعلية تميل تجارب وفئات البعض إلى التقدير على الآخرين، ويُعتقد عدد من الفلاسفة النسويين أنّ الفلاسفة النسويين لديهم سبب خاص للنظر في الطرق في ما هي الأهداف النسوية التي يتم تصورها وتمثيلها في الخطاب الشعبي والأكاديمي.
على الرغم من أنّ مستقبل الفلسفة النسوية في أمريكا اللاتينية لا يزال غير واضح، إلّا أنّه يبدو من المرجح أنّ مجموعة من اهتماماتها البارزة بما في ذلك الفلسفة الناشطة، والمخاوف بشأن الامتياز المعرفي والثقافي، والاعتماد على الأطر التفسيرية متعددة التخصصات، التي ستبقى على قيد الحياة لصالح مجموعة من السياقات الأكاديمية.