اقرأ في هذا المقال
كل أمة من الأمم تتميز بالذي تمتلكه من إرث ثقافي، والذي يمثّل ويصوّر الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “مقتل الرجل بين فكيه”.
معنى مثل “مقتل الرجل بين كفيه”:
مثل “مقتل الرجل بين فكيه”، من الأمثال الشائعة المشهورة، والتي تتردد على ألسنة الناس، أما المقتل، فهو: القتل، وهو موضع القتل كذلك، ومن الجائز أن يُجعل اللسان قتلًا من باب المبالغة في وصفه بالإفضاء إليه، وقال المفضل: فإنما هي إقبال وإدبار، ويجوز أن يجعل موضع القتل، أي بسببه يحصل القتل، ويجوز أن يكون بمعنى القاتل، فالمصدر ينوب عن الفاعل، كأنه قال: قاتل الرجل بين فكيه.
أصل مثل “مقتل الرجل بين فكّيه”:
روى المفضل الضبّيّ أن أوّل من قال مثل: “مقتل الرجل بين فكيه”، هو حكيم العرب أكثم بن صيفي في واحدة من وصاياه لبنيه، وكان قد جمعهم، وكان مما قال: “تبارّوا فإن البرّ يبقى عليه العدد، وكفّوا ألسنتكم فإن مَقتل الرجل بين فكّيه”.
مثل “مقتل الرجل بين فكّيه” في الشعر:
لقد أحسن وأجاد الذي قال: فليرحم الله امرأ أطلق ما بين كفّيه، وأمسَكَ ما بين فكيه، ولله درّ الشاعر “أبي الفَح البستي، إذ نظم بضعة أبيات في هذا المثل، فقال:
“تَكَلَّمْ وسَدِّدْ ما استَطَعْتَ؛ فَإنما * كلامكَ حَيٌّ وَالسُّكُوتُ جَمَادُ
فَإنْ لم تَجِدْ قَوْلاً سَدِيداً تَقُولُهُ * فَصَمْتُكَ عَنْ غَيْرِ السَّدَادِ سَدادُ”
وحذا حذوه القاضي “أبو أحمد منصور بن محمد الهروي”، حين قال:
“إذَا كُنْتَ ذَا عِلْمٍ وَمَا رَاكَ جَاهِلٌ * فأعْرِضْ فَفِي تَرْكِ الجَوَابِ جَوَابُ
وَإنْ لم تُصِبْ فِي القَوْلِ فَاسْكُتْ فإنما * سُكوتُكَ عَنْ غَيْرِ الصَّوَابِ صَوَابُ”
وكذلك ضمّن الشيخ “أبو سهل النيلي” شرائط الكلام قوله:
“أوصِيكَ فِي نَظْمِ الكلام بخَمْسَةٍ * إنْ كُنْتَ لِلْمُوصِي الشَّفيقِ مُطِيعَا
لاَ تُغْفِلَنْ سَبَبَ الكلام وَوَقْتَهُ * وَالكَيْفَ وَالكَمْ وَالمكَان جَمِيعَا”.