مكره أخاك لا بطل

اقرأ في هذا المقال


كل أمة على وجه هذه البسيطة تمتلك تراثها، والذي يعبّر عن كثير من الوقائع والمناسبات التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أبرز أنواع التراث الأمثال والحكم، والناس يستخدمون هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث في حياتهم اليومية مشابه للظروف الأصلية التي قيلت فيها تلك الأمثال والحكم، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظةً ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.

لمَ يُضرب مثل مكرَه أخاك لا بطل؟

يُضرب هذا المثل لمن قام بفعل شيء أجبرته الضرورة أن يفعله وهو في الحقيقة لا يريد هذا، أو لمن وُضع في موضع لايريده غير أنه مُجبر، يعني إذا فعل شيئًا يوحي بالشجاعة والإقدام، ولكنه في الحقيقية فعله لأنه لا خيار آخر أمامه، وهذا المثال الشائع إذن، والذي يتمثل به البعض حينما يكون هناك فعلًا صعبًا يُجبر بالإقدام عليه بشيء من التهور وفيه مخاطرة، ولكن حقيقية فعله تعود إلى أنه لا خيار آخر أمامه سوى ذلك، يضرب هذا المثل فيمن يأتي بفعل رغمًا عنه، وتضطره الظروف إلى شيء لا يريده، ويعتبر هذا المثل من أكثر الأمثال العربية الشائعة في المواقف التي يضطر فيها الشخص للعمل دون إرادته.

قصة مثل مكره أخاك لا بطل:

للمثل حكاية حدثت خلال الفتنة التي حصلت مع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، ويُقال إن أول من قال هذا المثل هو عمرو بن العاص، عندما اشتعل فتيل الصراع بين جيش علي والمنضمين إليه من الصحابة وبين جيش معاوية ومن معه من باقي الصحابة خرج سيدنا على رضي الله عنه في إحدى المعارك، وخلع عنه درعه طالبًا من يبارزه، والمبارزة هي المصارعة بالسيف بين رجلين، وهذا دليل على البطولة والشجاعة، فهابه الجند من جيش معاوية، إنه علي ابن أب طالب ابن عم رسول الله وصحبه، الرجل القوي البليغ الذي لا يحيد.

لم يقدر أي واحد من جيش معاوية بن أبي سفيان أن يخرج ليبارز عليًّا بن أبي طالب، حتى معاوية نفسه لم يخرج لما طلب إليه الجند المبارزة، فقد أبى والتفت لعمرو بن العاص وطلب منه أن يبارز أبا الحسن، فصعق عمرو من ذلك الطلب وقال مستغربًا: أبارز أبا الحسن؟!، وإنما قصد بذلك أنه لو كان رجلًا سواه لبارزه وما هابه، ولكن بطولة علي ابن أبي طالب وشجاعته ليست بالشيء اليسير.

عندما شعر معاوية بالرفض من عمرو بن العاص، قال له: “عزمت عليك أن تبارزه”؛ أي إنه أمره بذلك، فطلع عمرو بن العاص متقدمًا صوب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولما وقف أمامه، رمى بسيفه على الأرض، وقال: مكره أخاك لا بطل، وفي رواية أخرى مجبر أخاك لا بطل، ويعني بهذا أنني ما جئت بطولة مني إنما أُجبرت على هذا حتى خرجت، فضحك سيدنا علي ابن أبي طالب ورجع إلى صفه ولم يبارزه، وبعدها تقاتل الصفان، وقامت بينهما حرب عصيبة ضاع ضحيتها الكثير من الصحابة، وتعتبر هذه الفتنة من أشد الفتن التي مرت على المسلمين، وقد انتهت بنصر سيدنا علي رضي الله عنه على معاوية ابن أبي سفيان وجيشه.

المثل من وجهة نظر نقدية:

اللافت للنظر في مثل “مكره أخاك بطل”، والذي يُعدّ من أكثر الأمثال المتداولة بين الناس، هو الخطأ النحوي، أي من الناحية النحوية البحتة، فهذا المثل الشائع، والذي يتمثل به البعض حينما يكون هناك أمام أحدهم فعل صعب يجبر على الإقدام عليه بشيء من التهور وفيه مخاطرة كبيرة، غير أن حقيقية فعله تعود إلى أنه لا خيار آخر أمامه سوى ذلك.
أما الخطأ القواعدي الإعرابي، فهذا المثل لا يخلو من كونه مخالفًا للقواعد العامة للإعراب والنحو، وفيه خطأ ذلك أن الصحيح هو أن نقول “مكره أخوك لا بطل”، ومن هنا يبدأ السؤال فما الحجة اللغوية أو القواعدية التي جعلت البعض يقول بصحته الإعرابية.
نرى هنا أن الاستثناء راح مثلًا يُحتذى به ويُستند إليه في اللغة، وحاولوا أن يرسوه قاعدة يستأنسوا بها، ولربما كان لهم في ذلك، إنما “الاستناد في تعقيد القواعد لدى المتأخّرين من النحاة، على التمثيل لها بصيغ مصنوعة أو أبيات وشواهد منحوتة أو موضوعة”، وقد نجم عن الأولى إقصاء الأذواق، في تكوينها وصقلها عن الاستعمال العربي.
كما ترتّب على نوع الشواهد المصنوعة والمذكورة خطأ في استنباط القواعد، لأن الأبيات الواردة من ذلك أكثرها موضوع أو منحوت، وهو ما شهد به مؤرخو اللغة العربية وآدابها حين أثبتوا انتحال الأشعار، وأمثال هذه الأبيات تقصر عن أن تكون أساسًا لبناء القواعد عليها، لأن ذلك لا يُعتمد عليه إذا لم يكن ممّا جرى به كلام العرب حقًّا، والتقعيد إنما هو لكلام العرب لا لما انتحله الرواة.



شارك المقالة: