جميع الشعوب التي تركت خطاها الأثر على وجه الأرض، تمتلك موروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “من استرعى الذئب، فقد ظلم”.
معنى مثل: “من استرعى الذئب فقد ظلم” وفيم يضرب؟
يُعتبر مثل: “من استرعى الذئب ظلم”، من أكثر الأمثال شهرة في تراثنا العربي الأصيل، وأما المعنى الظاهريّ للمثل، هو: أنه ظلم الغنم، وعند آخرين قالوا أن المراد يجوز أن يكون ظلمًا للذئب؛ لأنه كلفه ما ليس في طبعه، ويضرب هذا المثل العربي: لمن يولّي غير الأمين.
قصة مثل: “من استرعى الذئب فقد ظلم”
يُحكى أن أول من قال مثل: “من استرعى الذئب، فقد ظلم، هو: “أكثم بن صيفي”، وذلك أن “عامر بن عبيد بن وهيب”، قد نكح صعبة بنت صيفي أخت أكثم، فأنجبت له من البنين: “ذئبًا، وكلبًا، وسبعًا”، فتزوج كلب امرأة من بني أسد ثم من بني حبيب، وأغار على الأقياس، وهم قيس بن نوفل وقيس بن وهبان وقيس بن جابر فأخذ أموالهم، وأغار بنو أسد على بني كلب، وهم بنو أختهم، فأخذوهم بالأقياس، فوفد كلب بن عامر على خاله أكثم، فقال: ادفع إلى الأقياس أموالهم حتى أفتدي بها بنيّ من بني أسد، فأراد أكثم أن يفعل ذلك، فقال أبوه صيفي: يا بني لا تفعل، فإن الكلب إنسان زهيد، إن دفعت إليه أموالهم أمسكها، وإن دفعت إليه الأقياس أخذ منهم الفداء، ولكن تجعل الأموال على يد الذئب؛ فإنه أمثل إخوته وأنبلهم، وتدفع الأقياس إلى الكلب، فإذا أطلقهم فمُر الذئب أن يدفع إليهم أموالهم.
ثمّ إنّ أكثم بن صيفي، قد جعل الأموال على الذئب، والأقياس على يد الكلب، فما كان من الكلب إلا أن مكر بأخيه الذئب وخدعه؛ فسلب منه أموالهم، ثم قال: “إذا أردتم جززت نواصيكم، وخليت سبيلكم، وذهبت بأموالكم، وخليتم سبيل أولادي، وذهبتم بأموالهم”، وبلغ ذلك أكثم فقال: “من استرعى الذئب ظلم”، وأطمع الكلب في الفداء فطول على الأقياس، فأتاه أكثم، فقال: إنك لفي أموال بني أسد وأهلك في الهوان، ثم قال: نعيم كلب في هوان أهله، فأُرسلت مثلًا.