لكلّ شعب من الشعوب التي رسمت خطاها على وجه الأرض لديها الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “من ساواك بنفسه ما ظلمك”.
معنى مثل: “من ساواك بنفسه ما ظلمك”:
مثل “من ساواك بنفسه ما ظلمك”، المقصود منه أنه من عادلك وماثلك بنفسه ما ظلمك؛ لأنه رأى ما فيك فيه.
قصة مثل: “من ساواك بنفسه ما ظلمك”:
أمّا قصة مثل “من ساواك بنفسه ما ظلمك”، فيُحكى أن الخليفة العباسيّ هارون الرشيد ووزيره جعفر البرمكي تدروشا “أي لبسا أزياء الدراويش المساكين”، وخرجا الى الصيد، وكان أن مرّا أمام أعرابي يجلس إلى جانب الطريق وهو خالي الذهن عمن هما، ولما كانت التقاليد العربية توجب على الماشي أن يسلم على الجالس، عند ذلك قال جعفر للإعرابي: ” السلام عليك يا كلب العرب”، عوضًا عن قوله: “يا أخا العرب” كما يجب أن يُقال.
فما كان من الأعرابيّ إلا أن انتصب واقفًا، وقال:” إنك أهنتني، دون ان تعرف من أنا، وقبل أن تقول من أنت، ولذلك أطلب مقاضاتك بثمن شرفي امام قاضي المدينة”، فقال جعفر وهو يشير إلى هارون الرشيد: “هذا قاضٍ، فليقضِ بيني وبينك”، فقال الإعرابي: “أقبل إن كان صاحبك هذا قاضيًا، وقضى بالحق”، قال هارون الرشيد: “قضيت لك بدرهم ثمن شرفك”.
قال الأعرابي:”وهل أصبح الدرهم، في زمن الخليفة هارون الرشيد ثمنًا لشرف الذي يُقال له يا كلب العرب!”، فقال هارون الرشيد: “نعم، الدرهم هو ثمن شرف من يقال له يا كلب العرب”، فتناول الأعرابي درهمين من جيبه، وقال: “خُذا إذًا، هذين الدرهمين يا كلبين من كلاب العرب”، فاستلّ جعفر البرمكيّ سيفه؛ لينحر الإعرابي، فزجره الخليفة هارون الرشيد، وقال: ” أرجع سيفك إلى غمده، فمن ساواك بنفسه ما ظلمك”، وجرت هذه العبارة مجرى الأمثال إلى يومنا هذا.