الأمثال هي عبارات ذات مغزى وبها العظة والفائدة، والإيجاز من غير حشو أو إطالة هو أهم مميزات الأمثال، مع عمق في المعنى وكثافة في الفكرة، وقد توارثتها الأمم مشافهةً من جيل إلى آخر، والمثل جملة محكمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف طبقات المجتمع، وإذ يلخّص المثل حكاية عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامة، فصدّقوه لأنه يُهتدى به في حلّ مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من مشكلة قديمة، وتلك المشكلة القديمة انتهت إلى عبرة لا تُنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى هي الأمثال، وفيما يلي بين يدينا مثل عربي مشهور هو “من شبّ على شيء شاب عليه”.
معنى مثل “من شب على شيء شاب عليه”:
مثل “من شب على شيء شاب عليه”، يُسمع ويتردد كل يوم ، غير أن الناس لا يعتبرون منه، ولعل تربية النشء وتعليمهم وتدريبهم على القيام بالأعمال الصالحة،والأخلاق والسنن الحميدة، هو أكثر مظهر من مظاهر الحياة ينطبق عليه هذا المثل، والنتيجة أن يسعد المرء في دنياه ويأمن شقاءها، وينال رضا ربه في الآخرة.
قصة مثل “من شب على شيء شاب عليه”:
قصة مثل “من شبّ على شيء شاب عليه”، قصة بها عبرة عظيمة، إذ قام “أبو زيد البسطاني” يتهجد في إحدى الليالي، فشاهد طفله الصغير يقوم بجواره، فأشفق عليه؛ لصغر سنه و لبرد الليل و مشقة السهر، فقال له: ارقد يا بنيّ فأمامك ليل طويل، فقال له الولد: فما بالك أنت قد قمت؟ فقال: يا بني، قد طُلب مني أن أقوم له، قال الغلام: لقد حفظت فيما أنزل الله- عز وجل- في كتابه: “إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك”، فمن هؤلاء الذين قاموا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟، فقال الأب: إنهم أصحابه، فقال الغلام :فلا تحرمني من شرف صحبتك في طاعة الله، فقال أبوه وقد تملكته الدهشة: يا بني، أنت طفل و لم تبلغ الحلم بعد، فقال الغلام: يا أبتِ، إني أرى أمي وهي توقد النار تبدأ بصغار قطع الحطب لتشعل كبارها، فأخشى أن يبدأ الله بنا يوم القيامة قبل الرجال إن أهملنا في طاعته، فانتفض أبوه من خشية الله وقال: قم يا بنى فأنت أولى بالله من أبيك، ثم قال: “من شبّ على شيء شاب عليه”، التي راحت مثلًا يُضرب في أن المرء يعتاد فعل ما كان يفعله في صغر سنه.