نظريات الجوهر في القرن السابع عشر

اقرأ في هذا المقال


في اللغة اليومية المعاصرة تميل كلمة (مادة) إلى أن تكون مصطلحًا عامًا يستخدم للإشارة إلى أنواع مختلفة من المواد (نحتاج إلى تنظيف هذه المادة اللاصقة من على الأرض)، أو كصفة تشير إلى كتلة الشيء وحجمه أو الأهمية (هذه خزانة كتب كبيرة)، ومع ذلك في المناقشة الفلسفية في القرن السابع عشر يرتبط معنى هذا المصطلح بشكل عرضي باستخدامنا اليومي للمصطلح، فبالنسبة لفلاسفة القرن السابع عشر فإنّ المصطلح مخصص للمكونات النهائية للواقع التي يعتمد عليها كل شيء آخر.

القواسم المشتركة بين الأرسطية وفلاسفة القرن 17:

عند التفكير في الروايات الجوهرية للقرن السابع عشر علينا أن نضع في اعتبارنا أنّ الاهتمام بالجوهر وطبيعته لم يكن شيئًا جديدًا في تلك الفترة، وفي الواقع يمتد التفكير الفلسفي حول طبيعة المادة إلى اليونان القديمة، بينما كان فلاسفة القرن السابع عشر الجدد حريصين على الانفصال عن الماضي ومعالجة المشكلات الفلسفية والعلمية من أسس جديدة ولم تتطور وجهات نظرهم في فراغ فكري.

في الواقع كان التقليد المدرسي الأرسطي في ذلك الوقت قد أفاد تفكير فلاسفة القرن السابع عشر حول الجوهر بعدة طرق وساهم في عدد من القواسم المشتركة في فكرهم، وقبل النظر في نظريات معينة عن الجوهر من المهم ملاحظة أربع قواسم مشتركة على وجه الخصوص:

1- الجوهر والأسلوب والتماسك.

2- الاستقلال والأولوية.

3- درجات الواقع.

4- الله موجود وهو جوهر.

الجوهر والأسلوب والتماسك:

بالنسبة للفلاسفة يرون بأنّ الكون فقط يحتوي على نوعين أو تصنيفين من الكيان وهما: المواد والأنماط، وبشكل عام الأنماط هي الطرق التي تسير بها الأشياء، وبالتالي فإنّ الشكل (على سبيل المثال كونه مستطيلًا) واللون (على سبيل المثال الاحمرار) والحجم (على سبيل المثال الطول) هي أوضاع نموذجية.

كشيء ما فإنّ الوضع يقف في علاقة خاصة مع تلك التي هو وسيلة لها، وباتباع تقليد يصل إلى مقولات أرسطو يقال إنّ الأنماط موجودة في أو موجودة في موضوع ما، وبالمثل يقال إنّ الموضوع لديه أو يتحمل أوضاعًا، وهكذا يمكن أن نقول أنّ الباب هو الموضوع الذي تكمن فيه صيغة المستطيل، قد يوجد وضع واحد في وضع آخر (قد يكون للون صبغة معينة على سبيل المثال)، ولكن في النهاية توجد جميع الأوضاع في شيء ليس في حد ذاته وضعًا أي في مادة ما، فالجوهر إذن هو موضوع نهائي.

الاستقلال والأولوية:

يتبع فلاسفة القرن السابع عشر الجدد التقليد في ربط الميراث بالتبعية، ويتفقون جميعًا على أنّ وجود النمط يعتمد بطريقة لا يعتمد عليها وجود المادة، فالفكرة هي أنّ الأنماط مثل الطرق التي توجد بها الأشياء تعتمد في وجودها على تلك التي تكون أنماطًا لها، على سبيل المثال لا يوجد وضع أن تكون 8’0 بدون أن يكون هناك موضوع يبلغ طوله 8’0، وبعبارة أخرى فإنّ وجهة النظر هي أنّ وجود نمط يتطلب في النهاية أو يفترض مسبقًا وجود مادة، ويتم وضع هذه النقطة أحيانًا بالقول إنّ المواد كموضوعات تسبق الأنماط ميتافيزيقياً.

درجات الواقع:

على عكس الفلاسفة المعاصرين اعتقد معظم فلاسفة القرن السابع عشر أنّ الواقع يأتي في درجات، وأنّ بعض الأشياء الموجودة تكون أكثر أو أقل واقعية من الأشياء الأخرى الموجودة، وعلى الأقل جزء مما يملي واقع الكائن، وفقًا لهؤلاء الفلاسفة هو مدى اعتماد وجوده على أشياء أخرى: فكلما قل اعتماد الشيء على أشياء أخرى لوجوده كان أكثر واقعية، وبالنظر إلى أنّ هناك مواد وأنماط فقط، وأنّ هذه الأنماط تعتمد على المواد في وجودها، ويترتب على ذلك أنّ المواد هي أكثر المكونات الحقيقية للواقع.

الله موجود وهو جوهر:

علاوة على ذلك يؤكد كل من الفلاسفة (ويقدمون الحجج نيابة عن الادعاء) أنّ الله موجود، وأنّ وجود الله مستقل تمامًا، فليس من المستغرب إذن بالنظر إلى ما سبق أن يؤمن كل من هؤلاء الفلاسفة بأنّ الله جوهر بامتياز.

نظريات القرن السابع عشر حول الجوهر في المنظور:

قد نرى ديكارت وكذلك سبينوزا ولايبنيز يعملون من خلال العواقب الميتافيزيقية للاحتفاظ بهذه المواد هي الموضوعات النهائية، وبشكل عام يمكننا أن نرى نظريات الجوهر هذه كطرق مختلفة لمحاولة التوفيق بين مفهوم الجوهر كموضوع نهائي مع الالتزام بوجود الله واستقلاله.

دفعت الاعتبارات المعرفية فلاسفة بارزين في أواخر القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى التخلي عن مثل هذه الأسئلة، وإعطاء الجوهر موقفًا أكثر تواضعًا في أنظمتهم الميتافيزيقية، فجون لوك على سبيل المثال يرى أنّ هناك مواد وأنّهم مواضيع نهائية، ولكنه حذر من استخلاص أي استنتاجات أخرى، كما يزعم لوك الشهير بأنّه: “إذا قام أي شخص بفحص نفسه فيما يتعلق بمفهوم المادة النقية بشكل عام، فسيجد أنّه ليس لديه فكرة أخرى عنها على الإطلاق، ولكن فقط افتراض أنّه لا يعرف ما هو دعم هذه الصفات الحوادث”.

يذهب ديفيد هيوم إلى أبعد من ذلك مدعيًا أنّه ليس في وسعنا معرفة البنية النهائية للواقع، وعلاوة على ذلك فإنّ فكرتنا عن المادة كموضوع هي مجرد نتيجة لخيالنا، بمعنى أنّ الخيال قادر على التظاهر بشيء غير معروف وغير مرئي، والتي من المفترض أن تستمر على نفس المنوال في ظل كل هذه الاختلافات، وهذا شيء غير مفهوم يسميه مادة، والشكوك الهيومينية حول الجوهر (وحول الميتافيزيقيا بشكل عام) بقيت بشكل أو بآخر حتى يومنا هذا.

بالطبع لا يتفق الجميع مع هذا التقليد وكانت طبيعة الجوهر سؤالًا طرحه العديد من الفلاسفة المعاصرين، وإن كان من نقاط انطلاق مختلفة عن ديكارت وسبينوزا ولايبنيز، وعلى عكس القرن السابع عشر في الاستخدام الفلسفي المعاصر لا يُقصد بمصطلح (مادة) بالضرورة الإشارة إلى المكونات النهائية للواقع (على الرغم من إمكانية ذلك)، بل بدلاً من ذلك يُؤخذ المصطلح عادةً للإشارة إلى ما يسمى أحيانًا (التفاصيل الملموسة) أي إلى الأشياء أو الأشياء المادية الفردية.

علاوة على ذلك لا يوجد شيء بين الفلاسفة المعاصرين مثل الإجماع الذي نجده بين فلاسفة القرن السابع عشر فيما يتعلق بالأنطولوجيا والاعتماد والواقع والله، وبالتالي يُعتقد عمومًا أنّ هناك فئات للواقع تتجاوز الجوهر والأسلوب (أو الخاصية)، وربما يكون أبرزها الأحداث أو العمليات، وقد شكك العديد من الفلاسفة في كل من علاقة الميراث والعلاقة بين الميراث والاعتماد الأنطولوجي، على سبيل المثال تنكر نظريات الحِزم حول المادة أنّ المواد هي موضوعات على الإطلاق فهي مجرد حزم أو مجموعات من الخصائص.

علاوة على ذلك ينكر معظم الفلاسفة المعاصرين أنّه من المنطقي التحدث عن درجات من الواقع، أي الأشياء إما حقيقية أو غير حقيقية، وأخيرًا وربما الأكثر وضوحًا لم يعد الفلاسفة المعاصرون يتفقون على أنّ الله موجود وهو مادة.


شارك المقالة: