جميع الشعوب التي رسمت الخطى على أطراف المعمورة تمتلك الإرث الثقافيّ الخاص بها، والذي يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، وفيما يلي سيتم ذكر قصة المثل العربي الشهير، هو: “هذا أوان الشدّ، فاشتدّي زيم”.
معنى مثل: “هذا أوان الشد فاشتدي زيم” وفيم يضرب؟
العنوان هنا عبارة عن مثل عربي يصور لنا فارسًا يخاطب فرسه العربية الأصيلة، والتي تُدعى “زيم” في أثناء المعركة، وكأنّ هذا الفارس يقول لها: جاء وقت الأداء، فإن لم تشتدي في هذا الوقت، فمتى تشتدّين؟ أي هذا أوان الجري وبذل الجهد، فاستفرغي فيه أقصى ما في وسعك، ويُضرب مثل: “هذا أوان الشدّ، فاشتدّي زيم” في الحثّ على الجدّ قبل فوات الأوان.
قصة مثل: “هذا أوان الشد فاشتدي زيم”:
جاء المثل باختلاف كلمة منه، فقيل: “هذا أوان الشّدّ فاشتدّي زيم”، إذ قال الأصمعي أنّ “زيم” في هذا الموضع اسم فرس، وقال: والزيم في غير هذا الموضع، هو الشيء المتفرق، والمثل الذي ذُكر هو شطر من رجز أُختلف في قائله، فنسبه أبو تمام إلى رشيد بن رُميض، وهو:
“هذَا أَوَانُ الشَّدِّ فَاشْتِدِّي زِيَمْ قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسوّاقٍ حَطَم
ليس بِرَاعِي إِبِلٍ ولا غَنْم ولا بِجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمْ
بَاتَ يُراعِيهَا غُلامٌ كَالزُّلم خَدَلجُ السَّاقَيْنِ خَفَّاقُ القَدَمْ”،
نسب هذا الشّعر كذلك إلى “شريح بن ضبيعة”، من بني قيس بن ثعلبة، وهو الملقب بالحطم، وقيل إنه لُقّب بالحطم؛ لقوله: “قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسواقٍ حطم، والبعض ينسبه لجابر بن حني التغلبي”، إلا أن أغلب الأدباء والمحققين ينسبون المثل للأخنس بن شهاب التغلبي، وقيل إن زيم كانت فرسه، وفيها قال:
“هذا أوان الشد فاشتدي زيم
لا عيش إلا الطعن في يوم البهم
مثلي على مثلك يدعى في العظم”.