وإن يبغ عليك قومك لا يبغي عليك القمر

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر الأمثال إحدى خصوصيات الشعوب الثقافية، وكما أنها تميز الشعوب، فقد يتفرد شعب معين بترديد تلك الأمثال، وقد يشترك فيها مع غيره من الشعوب، مع وجود بعض الاختلافات البسيطة، كلّ وفق أسلوبه ولهجته، وللأمثال في أغلب الأحيان حكاية، أي أن الحدث الأصلي الذي ضُرب فيه المثل يكون حكاية قادت في النهاية إلى ضرب المثل، والفارق الزمني الذي يمتد لمئات السنين بين ظهور تلك الأمثال، ومحاولة شرحها أدت إلى احتفاظ الناس بالمثل؛ لسهولته وخفته.
كلّ ما سبق من ميزات الأمثال، ومن عوامل ساهمت في حفظها ووصولها إلينا، أدّى إلى أن يدع الناس الحكايات التي قادت في النهاية إلى ضرب الأمثال، وعلى الأغلب تغلب روح الأسطورة على الأمثال التي تدور في القصص الجاهلية، مثل الأمثال الواردة في قصة الزباء ومنها: ” لا يطاع لقصير أمر ولأمر ما جدع قصير أنفه، وبيدي لا بيد عمرو”، وكذلك الأمثال الواردة في قصة ثأر امرئ القيس لأبيه، ومنها: ” ضيعني صغيرًا وحملني ثأره كبيرًا، ولا صحو اليوم ولا سكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر“.

فيم يضرب “وإن يبغ عليك قومك لا يبغي عليك القمر”؟

كثير من المواقف ساهمت في صنع عبارات تلقائية بقيت حية خالدة في صفحات التاريخ، الأمر الذي جعل منها أمثالًا مشهورة يتداولها البشر في الأوقات المشابهة، ومن بين تلك الأمثال المثل العربي الذي يقول: “وإن يبغِ عليك قومك؛ لا يبغي عليك القمر”، والبغي هو الظلم، ومعنى المثل بشكل حرفي “إن ظلمك قومك، لا يظلمك القمر، فانظر يتبين لك الأمر والحق”، والمثل يُضرب للأمر المشهور، فما هي القصة وراء قول هذه العبارة التي تحولت إلى مثل عربي مشهور؟

قصة مثل “وإن يبغ عليك قومك لا يبغي عليك القمر”:

يروي المفضل بن محمد أن الأصل لهذا المثل، يرجع إلى رهان حصل بين “بني ثعلبة بن أسعد بن ضبة” في زمن الجاهلية، إذ أنه رهانهم كان على الشمس والقمر في الليلة الرابعة عشرة من الشهر، وأيهما سيغيب وأيهما سيبقى، حيث قالت جماعة منهم: إن الشمس ستطلع، ولازال القمر يُرى، بينما لم تتفق الطائفة الأخرى في الرأي، إذ قالت الأخيرة: بل إن القمر سيغيب قبل أن تطلع الشمس، وهنا دبّ الخلاف فيما بينهم، وأرادوا أن يتراضوا عن طريق رجل بينهم يحتكمون إليه بينهم، فقال رجل منهم: إن قومي يبغون عليّ، حينها قال له الرجل الحكيم عبارته الشهيرة، والتي أصبحت مثلًا: “وإن يبغِ عليك قومك؛ لا يبغي عليك القمر”.

ثم إن العبارة التي قالها الرجل الذي حكم بين الطرفين قد أصبحت مثلًا مشهورًا، والتي جاءت بمعنى: “إن كنت تخاف من ظلم قومك لك؛ فلا يوجد هناك خوف من القمر؛ لأنه لا يظلم أحدًا، وفي حقيقة الأمر، يُعتبر هذا المثل من الأمثال التي قد لا تكتمل في معناها دون معرفة قصتها الحقيقية؛ لأنه بمجرد ذكرها فإنها لا تكون واضحة لمن يسمعها أو يقرأها لأنها غير مفهومة، لذلك فإن المثل صار شهيرًا في وقت فهم فيه الناس المقصد من قوله.


شارك المقالة: