وظائف الفيلسوف روجر بيكون وتأثيرها على فكره

اقرأ في هذا المقال


ولد روجر بيكون في إلتشيستر في إنجلترا إما عام 1214 أو 1220، وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة في جامعة أكسفورد كان أحد الرواد الذين درسوا أرسطو في جامعة باريس، وشكلت عودته إلى أكسفورد في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي نقطة تحول في حياته المهنية والتحق بالفرنسيسكان عام 1257، وفي عام 1267 أو 1268 أرسل ثلاثة أعمال إلى البابا والتي تشتمل على خطة لإعادة تنظيم شامل للدراسات المسيحية، تمت إدانته وسجنه حوالي عام 1277 ليتم إطلاق سراحه قبل عام واحد فقط من وفاته في عام 1293.

روجر بيكون والمنظور العام لفلسفته:

في مرحلته الباريسية من حياته المهنية طور فكرة الأهمية القصوى لنية المتحدث والنظريات الأصلية للفرض والمراوغة، أكد أنّ المسلمات خارقة تؤمن بالمعرفة الفطرية المشوشة وتتمسك بنظرية hylomorphism (العقيدة القائلة بأن الأشياء المادية ناتجة عن مزيج من المادة والشكل) العالمية، وبدلاً من مقياس الألوان الخطي الأرسطي افترض خمسة ألوان رئيسية يتم إنتاج الألوان الأخرى منها بواسطة الخلائط.

في مرحلته الفكرية الناضجة اقترح نظامًا للعلوم حيث تحظى العلوم العملية بالأولوية، ودافع عن استخدام المنهج التجريبي وطور نظرية تكاثر الأنواع ودمجها مع أفكار الحسن حول الضوء والرؤية، وشدد على أهمية الرياضيات في تقديم التفسيرات العلمية ورسم مخططات هندسية تمثل قواعد الانعكاس والانكسار والظواهر الأخرى ذات الصلة.

وجدت رؤيته للمادة على أنّها إيجابية وجديرة بالتحقيق تعبيرًا في مفهومه القوي للتمثيل، مجادلاً بالحاجة إلى تصوير ليس فقط الجوانب الرسمية ولكن الجوانب المادية أيضًا في كل من المحتويات المعرفية واللغة، ووصف بيكون تفاصيل طريقة عمل الروح الحساسة ونسب القدرات المعرفية المعقدة للحيوانات، وقدم تصنيفًا أصليًا للعلامات وعكس المثلث اللغوي الذي حدده أرسطو وبوثيوس.

الجامعة والوظيفة العلمية لبيكون:

في الجزء الأول من حياته المهنية حاضر بيكون في كلية الفنون في الأطروحات الأرسطية والأرسطية الزائفة، ولم يظهر أي مؤشر على انشغاله اللاحق بالعلم، وكانت محاضراته في باريس مهمة في تمكين العلماء من تكوين فكرة ما عن العمل الذي قام به شخص كان رائدًا في تقديم أرسطو إلى أوروبا الغربية، وتكشف عن أرسطو والتي تتميز بقوة بعناصر الأفلاطونية الحديثة المنبثقة من العديد من المصادر المختلفة، ومع ذلك فقد تم تضخيم تأثير ابن سينا على بيكون.

حوالي عام 1247 حدث تغيير كبير في التطور الفكري لبيكون، ومنذ ذلك التاريخ أنفق الكثير من الوقت والجهد ومبالغ ضخمة من المال في البحث التجريبي وفي اقتناء الكتب السرية، وفي صناعة الأدوات والجداول وفي تدريب المساعدين وفي البحث عن صداقة العلماء والأنشطة الذي يمثل خروجًا واضحًا عن الروتين المعتاد لكلية الآداب.

ربما كان التغيير ناتجًا عن عودته إلى أكسفورد وتأثير العالم الكبير روبرت جروسيتيست هناك، وهو زعيم في إدخال التعلم اليوناني إلى الغرب، وتلميذه آدم دي ماريسكو وكذلك توماس والينسيس أسقف القديس ديفيد.

من 1247 إلى 1257 كرّس بيكون نفسه بكل إخلاص لتنمية تلك الفروع الجديدة للتعلم التي قدم إليها في أكسفورد -اللغات والبصريات والكيمياء- وللدراسات الإضافية في علم الفلك والرياضيات، وصحيح أنّ بيكون كان أكثر تشككًا في ادعاءات الإشاعات أكثر من معاصريه، وأنّه كان يشك في الاستنتاجات العقلانية (متمسكًا بالاعتمادية الفائقة لتأكيد التجارب)، وأنّه أشاد بالتجربة بحماسة شديدة لدرجة أنّه كان يُنظر إليه غالبًا على أنّه نذير العلم الحديث قبل أكثر من 300 عام من ازدهاره.

ومع ذلك تشير الأبحاث التي أجريت على بيكون إلى أنّ وصفه بأنّه مجرب قد يكون مجهدًا، ولم تكن أصالته تكمن في أي مساهمة إيجابية في مجموع المعرفة بقدر ما تكمن في إصراره على خطوط مثمرة للبحث وأساليب الدراسة التجريبية، أما بالنسبة للتجارب الفعلية التي تم إجراؤها فقد أشار إلى السيد بيتر دي ماريكورت (Maharn-Curia)، وهو بيكاردي الذي فهم وحده كما كتب طريقة التجربة والذي أسماه (Dominus Experienceorum) سيد التجارب.

من المؤكد أن بيكون كان لديه نوع من المختبر للتجارب الكيميائية وأجرى بعض الملاحظات المنهجية باستخدام العدسات والمرايا، ودراساته حول طبيعة الضوء وقوس قزح جديرة بالملاحظة بشكل خاص، ويبدو أنّه قد خطط وفسر هذه التجارب بعناية، ولكن يبدو أنّه لم يتم إجراء تجاربه الأكثر شهرة حيث تم وصفهم فقط..

واقترح على سبيل المثال:

  • صنع بالون من صفائح نحاسية رفيعة وملء بالنار السائلة، وشعر أنّه سيطفو في الهواء مثل العديد من الأجسام الخفيفة في الماء.
  • درس بجدية مشكلة الطيران في آلة بأجنحة ترفرف.
  •  كما كان أول شخص في الغرب يعطي توجيهات دقيقة لصنع البارود عام 1242، على الرغم من أنّه كان يعلم أنّه إذا كان محصوراً فسيكون له قوة كبيرة وقد يكون مفيدًا في الحرب إلّا أنّه فشل في التكهن أكثر، ونشأ استخدامه في البنادق في وقت مبكر من القرن التالي.
  • وصف بيكون النظارات التي سرعان ما دخلت حيز الاستخدام أيضًا، وأوضحت مبادئ الانعكاس والانكسار والانحراف الكروي.
  • اقترحت السفن والعربات الآلية، واستخدم الكاميرا المظلمة التي تعرض صورة من خلال ثقب صغير لمراقبة كسوف الشمس.

مهنة بيكون كراهب:

في عام 1257 حدث تغيير ملحوظ آخر في حياة بيكون، وبسبب اعتلال صحته ودخوله في رهبنة الإخوة الأصاغر شعر بيكون كما كتب أنّه قد نسي الجميع ودفنوا، وبدأ جامعته ومهنه الأدبية المنتهية، حيث نشاطه المحموم وسذاجته المدهشة وخرافاته وازدرائه الصريح لأولئك الذين لا يشاركونه اهتماماته، كما أزعج رؤسائه في النظام وأخضعه للانضباط الشديد.

قرر أن يستأنف البابا كليمنت الرابع الذي ربما كان يعرفه عندما كان الأخير قبل انتخابه للبابوية في خدمة ملوك كابيتيان في فرنسا، وفي رسالة 1266 أشار البابا إلى الرسائل التي تلقاها من بيكون، والتي تقدمت بمقترحات معينة تغطي العالم الطبيعي والرياضيات واللغات والمنظور وعلم التنجيم، وكان بيكون قد جادل بأنّ المعرفة التجريبية الأكثر دقة للطبيعة ستكون ذات قيمة كبيرة في تأكيد الإيمان المسيحي، وشعر أنّ مقترحاته ستكون ذات أهمية كبيرة لرفاهية الكنيسة والجامعات.

أراد البابا أن يصبح أكثر إطلاعًا على هذه المشاريع وأمر بيكون بإرسال العمل إليه، ولكن كان بيكون يقصد موسوعة واسعة لجميع العلوم المعروفة، والتي تتطلب العديد من المتعاونين، والتي سيتم تنسيق تنظيمها وإدارتها من قبل المعهد البابوي.

إذن كان العمل يُسقط فقط عندما اعتقد البابا أنّه موجود بالفعل، ولكن في طاعة لأمر البابا شرع بيكون في العمل وفي وقت قصير بشكل ملحوظ أرسل العمل العظيم (Opus majus)، العمل الأصغر (Opus minus)، والعمل الثالث (Opus tertium).

كان عليه أن يفعل ذلك سراً وبغض النظر عن أي أمر من رؤسائه بخلاف ذلك، وحتى عندما لفتت المخالفات في سلوكه انتباههم وتم جلب أسلحة الإكراه الروحي الرهيبة عليه فقد تم ردعه عن شرح موقفه من خلال الأمر البابوي بالسرية.

قدم بيكون موسوعة أخرى لم يتم نشر سوى أجزاء منها وهي:

1- (Communia naturalium): وهو المبادئ العامة للفلسفة الطبيعية.

2- (Communia mathematica): وهو المبادئ العامة للعلوم الرياضية التي كتبت حوالي عام 1268.

في عام 1272 ظهرت الخلاصة الفلسفية وهي خلاصة وافية للفلسفة، وفي الفلسفة وحتى الأعمال العلمية المزعومة لبيكون تحتوي على انحرافات فلسفية مطولة وكان تلميذ أرسطو، على الرغم من أنّه قام بدمج عناصر الأفلاطونية الحديثة في فلسفته، إلّا أنّ فكره يظل أرسطوًا بشكل أساسي في خطوطه الرئيسية.

في وقت ما بين عامي 1277 و 1279 حُكم على بيكون بالسجن من قبل رفاقه الفرنسيسكان بسبب بعض المستجدات المشبوهة في تعاليمه، ومن المحتمل أن تكون الإدانة قد صدرت بسبب:

  • هجماته المريرة على علماء الدين والعلماء في عصره.
  • سذاجته المفرطة في الكيمياء والتنجيم.
  • ميله إلى العقيدة الألفية تحت تأثير نبوءات أبوت يواكيم من فيوري الفيلسوف الصوفي للتاريخ.

كم من الوقت تم سجنه غير معروف، وآخر أعماله عام 1292 غير مكتملة مثل العديد من الأعمال الأخرى، حيث تظهره على أنّه عدواني أكثر من أي وقت مضى.


شارك المقالة: