ما هي المعرفة الجغرافية عند الفنيقيين والإغريق؟
إن الفينيقيين أمة مشهورة كانت قد استقرت في الساحل الشرقي للبحر المتوسط، حيث أنهم جاءوا على شكل هجرات وفدت من الجنوب الشرقي من بابل أو الخليج العربي، ويرى بعض الباحثين أن الفينيقيين ظهروا كأمة تجارية منذ عام 1600 ما قبل الميلاد، وأن اسم الفينيقيين مشتق من بنى كنعان، كما أنهم كانوا يسمون الكنعانيين والقرطاجيين (Punicus) ثم تحول الاسم إلي الفينيقيين.
مع أن الفينيقيين كانوا شعب بحري تجاري، إلا أنه لم يتم العثور على أية خرائط تتعلق بهم، على الرغم من أن الملاحة البحرية تتطلب الخرائط المرشدة، حيث يعود السبب في هذا إلى حفظ الفينيفيين لأسرار الطرق التجارية وخوفهم من وقوع الخرائط في أيدي غيرهم، ومن أهم إسهامات الفينيقيين في المعرفة الجغرافية أنهم أسسوا مئات المحطات البحرية وعشرات من المستوطنات البشرية والمدن مثل: قرطاجة وتعني المدينة الجديدة وصيدا، حيث يعود تسميتها نسبة لصيد السمك وصور وقبرص وغيرها.
كما أنهم قاموا بالوصول إلى شمال غربي الهند، ولفوا حول أفريقيا في عهد نخاو، كما وصلوا إلى الجزر البريطانية، ويرى بعض الباحثين أن هانو الفينيفي القرطاجى قد وصل إلى سيراليون خلال القرن الخامس قبل الميلاد ومعه ثلاثون ألف شخص في أسطول مكون من ستين سفينة، ولقد برع الفينيقيون في الاستعانة بالنجوم في أسفارهم أثناء الليل، ولعل حرص الفينقييين على التكتم على أسرار مسالكهم التجارية هو السبب في قلة ما نعرفه عن تراثهم الجغرافي في وقتنا الحاضر.
حصل الإغريق على شهرة كبيرة؛ وذلك لوضعهم العلمي ومنزلتهم الحضارية، وقد ساعدت ظروف بيئتهم على قيام أول حضارة أوروبية على سواحل بحر إيجة، حيث أتاح لهم حماية بحرية كافية، كما أنه سهل لهم الاتصال بالبلاد القريبة، ويتميز الفكر الإغريقي أو اليوناني بأنه يحمل صفات علمية، وقد امتزجت الجغرافيا بالخرافات في هذه الملاحم.
كما أن هوميروس يجد بأن أوقيانوس هو المصدر الأول لكل ما هو موجود على سطح الأرض ليس للبحار والأنهار والعيون فقط، بل؛ وذلك لأنه يرى أن الماء هو أساس الخلق، أمَّا المصدر الثاني للفكر الجغرافي اليوناني فقد توضح في كتابات الأعلام والرواد، ومن أولهم طاليس الذي يرى بأن الماء أساس كل موجود من نبات وحيوان وجماد، حيث أن الماء هو المادة الوحيدة التي يراها الإنسان في أحوال طبيعية ثلاث: غازية، سائلة، صلبة، وأن الموجودات لا تخرج عن إحدى هذه الحالات الثلاث.