المشكلات البيئية الجغرافية

اقرأ في هذا المقال


ما هي المشكلات البيئية الجغرافية؟

إن البيئة الجغرافية تعرف بأنها عدد من التفاعلات المعقدة التي تحصل بين مكونات المحيط الطبيعي، من حيث كانت كائنات حية وهي كل من (الإنسان، الحيوان، النبات)، وعناصر غير حية، والتي تكوّن ما يُسمى بالمحيط (التضاريس، المناخ، الماء، الهواء، التربة)، كما يوجد أيضاً مشكلات بيئية جغرافية عديدة، فإن الدراسات البيئية تُعد من أبرز التطورات العلمية الحديثة التي بدأت تتبلور منذ أقل من ربع قرن.
ولقد أحدثت هذه الدراسات صدًى إيجابياً لتحذيرات العلماء من مخاطر تلوث البيئة، ومنذ ذلك الوقت اهتم كثير من العلماء من تخصصات مختلفة بالدراسات البيئية كل من جهة تخصصه، فإن البيئة بتعدد جوانبها الطبيعية والبشرية مجال رحب وسيع يسع الباحثين على مختلف تخصصاتهم ذات العلاقة، وليس من المبالغة أو من التحيز أن نقول أن الجغرافيا أكثر العلوم ملاءمة وقدرة على الدراسات البيئية، ويزكيها لهذه المكانة ما تتسم به من شمولية المعالجة لأبعاد البيئة بشقيها الطبيعي والبشري.
كما أن الإنسان يعتمد على النبات والحيوان من أجل توفير كثير من حاجاته الغذائية، حيث أنه يحاول استغلال هذه الموارد بطريقة منظمة حتى يضمن تلبية احتياجاته وزيادة الإنتاج من نفس الإمكانات المتاحة، وهو هنا يتعامل مع نظام صعب يقوم على التفاعل المتوازن بين كائنات البيئة الحية أو ما يطلق عليه النسق البيئي (ECOSYSTM)، كما يقسم العلماء سطح كوكبنا إلى أجزاء بيئية، لكل جزء خصائصه التي تميزه وتحافظ على اتزانه، إلا أن تدخل الإنسان يحدث خلالاً في توازن البيئة. 
وعلى سبيل المثال: فإن الإنسان يتدخل من أجل تنظيف منطقة غابية من أشجارها ليجهزها للزراعة، فيحرق أو يقطع ويجتث أشجارها وبالتالي يلحق الضرر بالحياة البرية التي تسهم في إضافة المواد العضوية إلى التربة، كما أن إزالة الغابات يؤدي إلى تغير المناخ وإلى جرف التربة؛ لأن هطول الأمطار الغزيرة على التربة مباشرة دون وجود أشجار يؤثر على التربة نتيجة لاصطدام قطرات المطر مع التربة العارية، مما يؤدي إلى تفكيكها وجرفها بسبب عدم وجود نباتات تحد من سرعة اندفاع المياه وعدم وجود جذور نباتات تثبت التربة.
كما أن النظام البيئي البشري (Anthropogene Ecosystem) هو نظام حديث له متطلبات عديدة متنوعة أغلبها ترتبط باستغلال البيئة، ومن هذه المتطلبات الزحف العمراني وإقامة المباني الأسمنتية محل الغابات، حتىقام بعض الباحثين والمفكرين باطلاق اسم غابات الأسمنت على المدن، كما أن إقامة المدن الصناعية والتوسع فيها على حساب أراضي الغابات أو الحشائش الطبيعية يتسبب في حدوث تلوث الجو بأدخنة المصانع، وبالتالي هطول الأمطار الحامضية (Acid Rains).
إن الدراسات البيئية وتقارير الهيئات الدولية تشير إلى أنه يوجد الكثير من المشكلات البيئية، وأن هذه المشكلات تزداد يوما بعد يوم، ومن هذه التقارير تقرير برنامج البيئة الذي صدر عن الأمم المتحدة في مايو سنة 1991 ميلادي، والذي استعرض بعض المؤشرات ذات الدلالة الخطيرة منها: أن ستة ملايين هكتار على الأقل من الأراضي الزراعية تتحول سنوياً إلى صحارٍ لا قيمة لها؛ وذلك بسبب قطع الأشجار واتباع أساليب بدائية في استغلالها.
كما أن ما يتم تدميره من الغابات في كل عام يصل إلى أحد عشر مليون هكتار تتحول إلى أراضٍ زراعية ذات إنتاج محدود وفي سبيلها إلى التصحر، حيث يقدر التقرير متوسط ما تستنزفه الدول الصناعية من موارد عالم الجنوب أي عالم الدول النامية بنحو ستين مليار دولار في كل عام، وإن النتيجة التي تترتب على ذلك زيادة ديون هذه الدول وانخفاض أسعار موادها الأولية، كما قدر التقرير أن ما يموت من أطفال هذه الدول لا يقل عن (40000) طفل يومياً بسبب أمراض الحصبة والملاريا والإسهال وسوء التغذية.
كما أن كثيراً من الباحثين وصلوا إلى قناعة تامة على أن مشاكل البيئة تحتاج إلى تعاون جهود دول العالم كله، وطالما أن الخطر يهدد العالم، فإن الجهد الذي يجب بذله لمواجهة ذلك الخطر ينبغي أن يكون على نفس المستوى عالمياً، لقد عقدت عدد من المؤتمرات الدولية من أجل مناقشة أهم المشكلات البيئية التي تهدد كوكبنا، ومنها مؤتمر عالمي عقد في ريودي جانيرو في يوليو عام 1992 ميلادي. 

أهم المشكلات البيئية التي يراها الباحثون:

  • ارتفاع درجات حرارة الجو: وذلك بسبب التوسع في استخدام الطاقة بأنواعها المختلفة وتناقص مساحات الغابات بأكثر من عشرة ملايين هكتار في كل عام، وأيضاً زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون، ممَّا يتسبب في النهاية إلى ارتفاع درجات الحرارة، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى ذوبان الجليد وبالتالي ازدياد المساحة التي يقوم بتغطيتها الغلاف المائي وارتفاع مستوى المياه في كل من البحار والمحيطات، ممَّا يتسبب في اختفاء كثير من مجموعات الجزر وتغطية مساحات كبيرة من سهول القارات الساحلية بالمياه وبالتالي انكماش مساحة هذه القارات.
    كما قدَّر العلماء أن أثر ثاني أكسيد الكربون في المناخ عرف منذ ما يزيد على قرن من الزمان، لكن الاهتمام الواسع بذلك لم يبدأ إلا مؤخرا نسبياً، ويقدر العلماء أن الكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض تطلق ما يقرب من مائة ألف مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً عن طريق التنفس، على حين تطلق النباتات المتحللة نحو أربعة آلاف مليون طن سنوياً، لكن التمثيل النباتي يكون استهلاكة نفس الكمية المنبعثة عن هاتين العمليتين تقريباً، ومع ذلك فإن الأنشطة البشرية المتزايدة تخل بهذا التوازن من زاويتين: الأولى الاعتماد على الوقود الحفري “بترول-فحم” وإطلاق كميات إضافية من ثاني أكسي د الكربون، والثانية تكون بتدمير الغابات وغيرها من النباتات.
    وتوضح التحليلات التي تم القيام بها مؤخراً للهواء المحتجز في الفجوات الثلجية بالأنهار الجليدية أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو كان (280) جزءاً لكل مليون من حيث الحجم نحو عام 1750 ميلادي، وقد أجريت قياسات دقيقة ومستمرة عام 1958 ميلادي وحتى عام 1985 ميلادي في مرصد مونا لاو بهاواي، فكانت نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون (315) جزءاً في المليون عام 1958 ميلادي زادت إلى (345) جزءاً في المليون عام 1985 ميلادي وذلك من حيث الحجم.
  • مشكلة التصحر: يعرف التصحر بأنه تحول مساحات من سطح الأرض الخضراء (غابات، حشائش، مزارع) إلى صحارٍ لا تنتج ما يستفيد منه الإنسان، ويقدر العلماء حالياً أن ما يقرب من مساحة ربع يابس الأرض يواجه مشكلة التحول إلى صحراء، كما تُعد المناطق الجافة وشبه الجافة التي تعرف بأمطارها القليلة وبمعدلات تبخر ونتح عالية من أكثر المناطق التي يهددها خطر التصحر.
    كما يعاني من مشكلة التصحر في الوقت الحاضر 63 دولة من بينها 24 دولة أفريقية وآسيوية، ويرى أغلب الباحثين أن الإنسان هو الذي يتسبب في ظاهرة التصحر، حينما يقوم على تدمير الغطاء النباتي أو يعتمد على الرعي الجائر، وقد أشار هـ ن. هيرو (Houerou) وهو أحد علماء البيئة المشهورين: أن الإنسان هو الذي يصنع الصحراء، وأن المناخ هو المسؤول فقط عن تهيئة الظروف الملاءمة.
  • مشكلة النفايات الصناعية: إن النشاط الصناعي المتزايد يتسبب في زيادة النفايات الصناعية، وهذه النفايات تشكل أخطاراً على الصحة العامة وعلى كل من الهواء والتربة والنبات والحيوان، وتوصف أغلب النفايات المولدة عن الصناعات الكيميائية وصناعة تكرير البترول والصناعات المعدنية بأنها خطرة، ويتم التخلص من هذه النفايات بدفنها في باطن الأرض، وأحياناً يتم تصديرها إلى دول العالم الثالث أو الدول النامية كما يقوم بوصفها بعض الباحثين، ومن هذه الدول: الفلبين التي تستقبل نفايات صناعية من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك كوريا الجنوبية والهند.
    كما أن نيجيريا تقوم باستقبال نفايات صناعية من دول شرق أوروبا وألمانيا، وتستقبل المكسيك وكذلك زيمبابوي نفايات صناعية من الولايات المتحدة، وعلى الرغم من تصدير الولايات المتحدة لكميات كبيرة من نفاياتها الصناعية، فإن بها أماكن لطمر النفايات تقدر بحوالي 76 ألف موقع، وتقدر كميات نفاياتها السنوية بحوالي 70 مليون طن كل عام، وقدرت نفايات المملكة المتحدة الصناعية في عام 1986 ميلادي بحوالي أربعة ملايين طن.
    ونظراً لخطورة استخدام الأراضي في طمر النفايات الخطرة، فقد اعتمدت منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1988 ميلادي قراراً يدين استخدام أراضي أفريقيا موقعاً لإلقاء النفايات، ويتعرض كثير من الأفراد للأخطار؛ بسبب إلقاء النفايات بطريقة غير سليمة، كما أن المياه الجوفية تتلوث وأيضاً التربة والنباتات التي تزرع فيها، وقد دلت الدراسات أن بعض الأطفال الذين ولدوا في أماكن قريبة من مطامر النفايات يزيد بينهم مرض التهاب العيون والإصابة بالطفوح الجلدية وآلام المعدة، وقد تسببت النفايات التي خزنت في قنوات وحفر غير مبطنة بالقرب من مدينة دنفر بولاية كولورادو إلى تلويث المياه الجوفية في منطقة تقرب مساحتها من 40 كيلو متر مربع، كما تعرض عدد من سكان مدينة برهام بولاية مينيسوتا للتسمم بالزرنيخ بسبب التلوث الناشئ عن النفايات.

شارك المقالة: