العلاج الوظيفي والأداء الوظيفي

اقرأ في هذا المقال


العلاج الوظيفي والأداء الوظيفي – المتكيف والمرن:

يبدأ الرضيع حياته بقليل من القيود على الأداء، ممّا يسمح بأكبر قدر من التباين في النظام لتوليد الحركات التلقائية. كما يسمح هذا التباين بالمرونة لاستكشاف البيئة والتعلم الإدراكي والحسي السريع. حيث يختار الرضيع بسرعة أنماط الحركة التآزرية الوظيفية. على سبيل المثال، منذ الولادة، يُظهر الرضيع نمطًا من حركة اليد إلى الفم (على سبيل المثال، من أجل التهدئة الذاتية عن طريق مص قبضة اليد). كما يتم إجراء تغييرات تكيفية قليلة فقط في هذا النمط التآزري (دوران الكتف والتقريب الأفقي، ثني الكوع وكب الساعد، متبوعًا بالاستلقاء ووضع المعصم المحايد) حيث يتعلم الطفل التغذية الذاتية باستخدام أدوات متنوعة.
نظرًا لأن أوجه التآزر التي تتيح استخدام الأداة يتم تجميعها برفق حول هدف المهمة المطروحة، فهي وحدات مستقرة ولكنها مرنة. كما أن التآزر له خصائص متسقة محددة، مثل تسلسل الحركات ونسبة حركة المفصل، والتي يمكن تعديلها لاستيعاب كل موقف جديد. ويعتبر هذا الثبات القابل للتكيف سمة مميزة للحركة العادية. يعدّ التجميع الناعم أمرًا بالغ الأهمية للسماح للطفل بالتصرف في بيئات متغيرة ومتغيرة. حيث أنه يسمح للطفل باستكشاف واختيار استجابة للبيئة لأن أنماط استجابته متغيرة ومرنة.
التآزر الوظيفي الذي يميز تطور الطفل للمهن قابل للتكيف بدرجة عالية ويمكن الاعتماد عليه. حيث ينظم الطفل هذا التآزر ذاتيًا حول المهام والأهداف ويتم تضمين أهدافه الأولى في اللعب وتنظيمها حولها.
كيف يتعلم الطفل مهارات أداء جديدة؟ على الرغم من أن تعلم مهارات جديدة ليس بلا حدود ومقيدة بعوامل بيولوجية وسياقية، يعتقد أن التنمية البشرية لها مرونة نسبية. هذا المفهوم له أهمية للمعالجين المهنيين، الذين يقدمون خدمات التدخل المصممة لتغيير وتعزيز أداء الأطفال. كما يعرّف الباحثون اللدونة على أنها اندماج الكائن الحي (الطفل) والبيئة (بما في ذلك خصائصه الثقافية والمادية والاجتماعية والاقتصادية).

مراحل التعلم الحركي:

كيف تتطوّر الكفاءة الحركية أثناء الطفولة؟ يمر الأطفال عمومًا بثلاث مراحل من التعلم لاكتساب مهارة جديدة تتضمن المرحلة الأولى نشاطًا استكشافيًا. السنة الأولى من العمر هي في المقام الأول فترة استكشاف حسي. حيث يحدث الاستكشاف بشكل طبيعي في جميع البشر، بشكل عام عندما يتم تقديم شيء أو مهمة جديدة للفرد. ومن خلال الاستكشاف، يتعلم الطفل عن نفسه والبيئة.
في هذه المرحلة، يقوم الطفل بتجربة الأشياء والأنشطة باستخدام أنظمة مختلفة ومجموعات جديدة من الإدراك والحركة وتسلسلات جديدة من العمل. وفي هذه المرحلة الاستكشافية أو عند تحدي مهمة جديدة وصعبة، يميل الطفل إلى إظهار حركة بدائية.
تميل التحديات الجديدة إلى الحصول على مستويات أقل من المهارات لأنه يمكن الوصول إليها بسهولة أكبر من مهارات المستوى الأعلى لدى الطفل، والتي تتطلب المزيد من الطاقة والجهد. و باستخدام مهارات المستوى الأدنى لمعالجة المشكلات الجديدة، يمكن للطفل التركيز على التعلم الإدراكي حول المهمة قبل البدء في استخدام مهارات المستوى الأعلى، والتي تسمح في النهاية بمزيد من النجاح في أداء المهمة. حيث لاحظ الباحثون أنه عندما يواجه الأطفال لأول مرة مهمة أداء جديدة وصعبة (على سبيل المثال، خطوة أولى)، فإنهم يستخدمون أنماط حركة بدائية (على سبيل المثال، التوازن عن طريق تقوية الساقين والجذع) قبل التقدم إلى مهارة متكاملة.
في المرحلة الثانية من التعلم، التعلم الإدراكي، يبدأ الطفل في استخدام التعليقات والتعزيزات التي تلقاها من استكشافه. حيث أنه في هذه المرحلة الانتقالية، يُظهر الطفل مزيدًا من الاتساق في أنماط الحركة المستخدمة لإنجاز المهام. نظرًا لأن هذه المرحلة الثانية هي مرحلة التعلم الإدراكي، فإن بعض الإجراءات التي تمت تجربتها في البداية يتم تجاهلها باعتبارها غير فعالة. كما يظل الاهتمام بالنشاط مرتفعًا مع استمرار التعلم الإدراكي وهو محفز بطبيعته وذو مغزى للطفل.
في هذه المرحلة أيضاً، يبدو أن الطفل يركز على التعلم ومحاولات الأنشطة عدة مرات. كما قد يتأرجح الطفل بين مستويات أعلى وأدنى من المهارة. حيث وجد الباحثون تنوعًا كبيرًا عندما حاول الأطفال الصغار استخدام الملعقة. كما وجدوا تنوعًا مشابهًا عندما حاول الأطفال في سن 3 سنوات استخدام أداة الكتابة. في بعض الأحيان، تمسك الأطفال بالأداة باستخدام نمط إمساك الكبار، وفي أوقات أخرى، استخدموا قبضة بدائية كاملة. حيث يتم اختيار الأنماط الناضجة في كثير من الأحيان عندما يدخل الأطفال المرحلة الثالثة من تعلم المهارات.
في المرحلة الثالثة من التعلم، وهي إنجاز المهارة، يختار الطفل نمط العمل الذي يعمل بشكل أفضل لتحقيق الهدف. حيث يكون النمط المحدد مريح وفعال للطفل. كما يشير اختيار نمط واحد إلى كل من التعلم الإدراكي والتنظيم الذاتي المتزايد. خلال هذه المرحلة النهائية من التعلم، يظهر الطفل تناسقًا مرنًا في الأداء. حيث هو أو هي يستخدم نفس النمط والنهج للمهمة ولكنه يتكيف بسهولة مع النمط وفقًا لمتطلبات المهمة.
القدرة العالية على التكيف هي دائمًا سمة مهمة جيدة التعلم. سمة أخرى من سمات الأداء المكتسب هي استخدام أنماط العمل المنظمة والاقتصادية. حيث يستمر الأطفال في ممارسة الأداء عندما تتاح لهم الفرص في البيئة. وفي المرحلة الثالثة من التعلم تؤدي إلى استكشاف أنشطة جديدة ومختلفة؛ كما يستمر تعلم الطفل في ساحات أداء جديدة، ممّا يؤدي إلى توسيع وظائفه.
بالنسبة لمعظم الأطفال، يتم البحث عن خبرات جديدة وتعلم جديد وهي مصدر للمتعة. كما يحدث التعلم عندما يبحث الأطفال عن فرص لتنمية المهارات، ويحدث أيضًا عندما يتكيف الأطفال مع البيئة الطبيعية والأنشطة اليومية التي يشاركون فيها. يوضح الباحثون أن الأطفال يقومون باستجابات تكيفية مع البيئة.
الاستجابة التكيفية هي التي يستجيب فيها الطفل للتغيير البيئي “بطريقة إبداعية أو مفيدة”. كما تسمح هذه الاستجابات التكيفية بإتقان المهارات وتساعد على تنظيم الجهاز العصبي المركزي للطفل. وتساعد الاستجابة التكيفية على دمج الأنظمة الحسية والإدراكية لدى الطفل للاستجابة بمهارة أكبر للتحديات الجديدة للنظام الحسي. على سبيل المثال، بمجرد أن يتمكن الرضيع من سحب نفسه إلى حجر أمه ليطلب حمله، لم يعدّ بحاجة إلى البكاء لجذب انتباه والدته.

التنمية الاجتماعية العاطفية:

تشرح النظريات حول المزاج والتعلق وتنظيم العاطفة كيف تتطور السلوكيات الاجتماعية والعاطفية للطفل وكيف تؤثر الوظيفة الاجتماعية والعاطفية على الأداء عبر المجالات. كما تشرح هذه النظريات الفروق الفردية بين الأطفال بناءً على الهبة الجينية والتأثيرات البيئية الاجتماعية.
تلعب العواطف دورًا مهمًا في تقييم الطفل لتجربته أو تجربتها وفي استعداد الطفل للعمل استجابةً لتغير السياق. كما تتعلق المشاعر بكيفية تقييم الطفل لمعنى تجربة ما فيما يتعلق بأهدافه. إذا انخرط الطفل في نشاط بهدف النجاح ولكنه لم يفعل، فقد يصاب الطفل بخيبة أمل أو إحباط. وإذا انخرط الطفل في نشاط لمجرد المشاركة وبدون توقع النجاح، فقد يشعر بالسعادة بغض النظر عن النجاح.
تؤثّر العواطف والمزاج على اهتمام الطفل بمحاولة أنشطة جديدة ومقدار الجهد المبذول ومحاولات إشراك الآخرين. كما تؤثّر هذه المتغيرات على كيفية تعامل الطفل مع نشاط ما (على سبيل المثال، بفرح) والتأثير على طبيعته الاجتماعية (على سبيل المثال، ما إذا كان الطفل يطلب مشاركة الآخرين).

الطبع والمزاج:

تعكس الحالة المزاجية سمات مستقرة نسبيًا تؤثر على كيفية معالجة الأفراد للبيئة والاستجابة لها. كما تساهم هذه الخصائص في الشخصية والأداء اليومي. ويعتبر مزاج الطفل عاملاً هامًا في تحديد مدى مطابقة الطفل لمقدم الرعاية وبيئة تقديم الرعاية، وتؤثر الحالة المزاجية أيضًا على أسلوب تفاعل الطفل الاجتماعي. وقد تم تحديد تسعة مجالات للمزاج:
1- مستوى النشاط.
2- النهج أو الانسحاب.
3- تشتت الانتباه.
4- شدة الاستجابة.
5- مدى الانتباه والمثابرة.
6- جودة الحالة المزاجية.
7- الإيقاع.
8- عتبة الاستجابة.
9- القدرة على التكيف.
يساهم كل مجال من هذه المجالات بشكل فريد في تفضيلات الطفل واهتماماته وأسلوبه في تكوين العلاقات الاجتماعية والاستجابة للبيئة الاجتماعية.
هذه المناطق المزاجية لها استمراريتها الخاصة، حيث ترتبط مستويات المزاج المتطرفة بسلوكيات إشكالية وترتبط المستويات المعتدلة بسلوكيات سهلة ومناسبة. كما تم تحديد الأطفال الذين يظهرون خصائص مزاجية متطرفة (على سبيل المثال، الأطفال الذين يتمتعون بالنشاط العالي أو المزاج أو الانفعال) على أنهم صعبون. وقد لا يتناسب الطفل الصعب مع توقعات وجداول مقدمي الرعاية.
يعتبر الآخرون الذين لديهم مزاج سعيد وشدة استجابة معتدلة سهلة. حيث يمكن للطفل الذي يتمتع بمزاج سهل أن ينشئ روتينًا بسهولة (يُظهر دورات نوم / استيقاظ منتظمة) ويكون لديه مزاج إيجابي وقد يكون أكثر ملاءمة لمقدمي الرعاية. كما يمكن أن يؤدي التوافق بين مزاج الوالدين والطفل إلى تسهيل الارتباط القوي، تمامًا كما يمكن أن يؤدي عدم التوافق إلى خلق صعوبات في التعلق.
أكد الباحثون أنه إذا كانت خصائص الطفل توفر توافقًا جيدًا (أو تطابقًا) مع متطلبات بيئة معينة، فإن النتائج التكيفية تكون النتيجة. كما أن التطابق أو الملاءمة بين الطفل وسياقه الاجتماعي والمادي يحدد نوعية التطور ويؤثر على المهن التي يتم تعزيزها وأيها يتم إعاقتها.
الملاءمة الإيجابية، بمعنى أن البيئة الاجتماعية والمادية تدعم تنمية مهارات الطفل، يمكن أن تزيد من مسار نمو الطفل. كما يمكن أن يؤدي الافتقار إلى اللياقة البدنية إلى تعطيل النمو النفسي وقد يعرض الطفل لخطر المشاكل السلوكية أو الأكاديمية.
لتوضيح كيفية تأثير المزاج على جودة اللياقة، تم الإبلاغ عن صعوبة إدارة الأطفال الذين يعانون من عدم انتظام ضربات القلب ودورات النوم أو الاستيقاظ من قبل العائلات الأمريكية الأوروبية التي يعمل فيها الوالدان ويحتاجان إلى روتين ثابت لأنماط النوم. كما لم يجد الآباء البورتوريكيون صعوبة في استيعاب الأطفال الذين يعانون من دورات نوم أو يقظة سيئة التنظيم لأنهم وضعوا جداولهم حولهم وسمحوا لأطفالهم بالنوم عندما يريدون.
في الأسر البورتوريكية، كان معدل حدوث مشكلات سلوك الطفل منخفضًا للغاية، لا سيما قبل سن المدرسة عندما تم فرض جدول مدرسي. حيث تشير هذه الدراسات والعديد من الدراسات الأخرى إلى أن مزاج الطفل وسلوكه يؤثران على حسن التوافق بين مقدم الرعاية والطفل، ممّا يؤثر على النتائج التنموية.


شارك المقالة: