لا مانع أن يعتدّ أحدنا بنفسه وأن يثق بذاته، ولكن ضمن أطر وحدود معيّنة بعيداً عن التفاخر والتعالي على الآخرين والاعتداد الزائد بالنفس، فمن صفات الطغاة الذين وضعوا بصمتهم في السجّل الأسود للتاريخ أنهم كانوا يتفاخرون كثيراً بأنفسهم، لدرجة جعلت منهم سفّاحين وقتلة للشعوب وأصبحوا أمثلة حيّة لكل ما هو سيء.
ما تأثير تسليط الضوء في الترويج لصفة ما؟
أحياناً ما يمثّل الأشخاص الذين يتابعهم الإعلام ويتم تسليط الضوء كثيراً عليهم بسبب غرابة سلوكياتهم نماذج يحذو حذوها الكثيرون، وخصوصاً في مجال الرياضة والأعمال والسياسة، ونذكر هنا ما كان يقوم به بطل الملاكمة العالمي محمد علي كلاي عندما كان يعتدّ بنفسه ويتفاخر بقّوته كثيراً أمام شاشات التلفاز، مما أسهم كثيراً في تغيير سلوكيات الرياضي، فقبل أن يصبح كلاي بطلاً كانت تلك الرياضة مجرّد بطولة عادية لا تمثّل للمجتمعات أي شيء، ولكن عندما يأتي شخص يتحدّث عن نفسه بأنه الأعظم فلا بدّ وأن تتغيّر وقتئذٍ كافة المعايير، فالشهرة الإعلامية أصبحت هي كلّ شيء.
ما نتيجة التباهي الزائد والتبجج؟
المشاهير ذوو النوعة النرجسية نالوا شهرة عالمية ليس فقط بسبب انتصاراتهم ولكن بما اتصفوا به من بلاغة وقدرة على التحدي والتنبّؤ، فانقسم الناس ما بين محبّ وكاره، إلا أنّ هؤلاء الأشخاص أصبحوا محور اهتمام الجميع بل وأصبحوا نموذجاً يحتذى به من قبل آخرين، ليؤثروا بالتالي على النسيج المجتمعي بشكل عام، وأسسوا لتوجه جديد يقوم على التروج للذات ، فأصبح من المقبول أن يتباهى المرء بكونه الأفضل، وخاصة إذا ما كان يجيد القيام بشيء ما، فاقتدى به غيره من الرياضين والعامة، فأصبح تهجّم الرياضي على خصمه باللوم والتحدّي هو السائد في عالم الرياضة.
إنّ المبالغة في التباهي والتبجّج تجلب المزيد من الانتباه، وقد تسلل هذا التوجّه إلى عالم الأعمال أيضاً، فهناك العديد من أصحباب رؤساء الأموال ممن تتتبع وسائل الإعلام أخبارهم، ويصبح بعضهم أشدّ زهواً كلما نالوا المزيد من الاهتمام، وتستحوذ أنشطتهم المليئة بالبذخ على تغطية إعلامية هائلة، حيث يعتبر بعض هؤلاء المتفاخرين أن التواضع والزهد من صفات الأطباء ورجال الدين، وأنه يتوجب علينا أن نكتسب القدرة في التحدث والترويج لأنفسنا، فإننا إن لم نفعل ذلك فلن ينوب عنّا آخرون في عمل ذلك.