إنّ مفهوم البنائية هو مفهوم مأخوذ من النظرية البنائية؛ إذ يقوم الأفراد المتعلمين بإنشاء نماذج عقلية يستطيعون عن طريقها استيعاب العالم الذي يحيط بهم. يشير معنى البنائيّة على أنِّه يمكن تحقيق التعلم بفعالية كبيرة عندما يكون الأشخاص نشيطين، أيضاً في تحقيق أشياء ملموسة في العالم الحقيقي، في إطار هذا المعنى يتبين أنَّ مفهوم البنائية مرتبط بالتعلم التجريبي، كما أنّه يرتكز على النظرية المعرفية البنائية الخاصَّة بالعالم جان بياجيه.
أبرز منظري النظرية البنائية
جان بياجيه
يعد جان بياجيه فيلسوف وعالم نفس، قام بتطوير نظرية التطور المعرفي عند الأطفال، حيث تمَّ تغيير اسمه وأصبح يسمى بعلم المعرفة الوراثية، قام بياجيه على إنشاء مركز نظريّة المعرفة الوراثية في مدينة جنيف عام 1965، بقي رئيس ذلك المركز حتى وفاته عام 1980. يعد بياجيه الرائد الأساسي للمدرسة البنائية في علم النفس.
الأسس النظرية عند بياجيه
يُعتبر جان بياجيه أحد الآباء المؤسسين للنظرية البنائية. لقد طوّر نظرية التطور المعرفي التي تصف كيف يبني الأطفال فهمهم للعالم من خلال مراحل معينة ورأى بياجيه أن الأطفال ليسوا مجرد متلقين سلبيين للمعرفة، بل هم مشاركون نشطون في بناء المعرفة من خلال التفاعل مع العالم.
المراحل المعرفية عند بياجيه
- اقترح بياجيه أن النمو المعرفي يمر بأربع مراحل: المرحلة الحسية-الحركية، والمرحلة التحضيرية، ومرحلة العمليات المادية، ومرحلة العمليات المجردة.
- في كل مرحلة، يتعلم الأطفال ويطورون مفاهيم جديدة بناءً على تفاعلاتهم وخبراتهم.
جون ديوي:
يعد جون ديوي مربي وعالم نفس أمريكي وفيلسوف وزعيم الفلسفة البراغماتية، يعتبر من أوائل المؤسِّسين للنظرية البنائية. قال البعض أنّه قام بإطالة عمر الفلسفة البراغماتية واستطاع أن يستعمل كلمتين قريبتين من الشعب الأمريكي هما العلم والديمقراطية.
مفاهيم نظرية التعلم البنائية
- مفهوم التكيف: يعتبر التعلم قدرة الفرد على التكيف مع خصائص المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، من خلال دمجها في مقولات وتحويلات وظيفية.
- التلاؤم: هو تغيير وتعديل في ردود فعل الذات بعد فهم معطيات الموقف أو الموضوع حتى يحقق التوازن.
- الاستيعاب والملاءمة: يعرّف الاستيعاب بأنَّه دمج للموضوع في بنيات الذات، أمّا الملائمة فهي قدرة تلاؤم ذات الفرد مع معطيات الموضوع الخارجي.
- الضبط الذاتي: هي أنشطة الذات نحو تجاوز الاضطراب.
- مفهوم السيرورات الإجرائية: إنّ درجة التطور والتجريد في المعرفة، تتدرج في تلازم جدلي، تتكون كلها على أرضية العمليات الإجرائية، أي النشاط العملي الملموس.
- مفهوم التمثل والوظيفة الرمزية: يرى جان بياجه التمثل بأنَّه الخريطة المعرفية التي قوَّم الفكر ببنائها عن الناس والأشياء، ذلك عن طريق الوظيفة الترميزية مثل اللغة واللعب الرمزي.
- مفهوم خطاطات الفعل: تعرّف الخطاطات بأنَّها نماذج سلوكية منظمة يمكن استعمالها بشكل قصدي، هي تعتبر ذكاء عملي مهم، كما أنَّها منطلق الفعل العملي الذي يقوم على حكم الطور الحسي الحركي من النمو الذهني.
2. ليف فيغوتسكي (Lev Vygotsky)
الأسس النظرية:
- يعتبر فيغوتسكي من أهم رواد البنائية الاجتماعية، حيث أكد على دور التفاعل الاجتماعي في تطوير المعرفة.
- شدد على أن التعلم يحدث من خلال التفاعل مع الآخرين وأن اللغة تلعب دورًا حيويًا في التطور المعرفي.
منطقة النمو القريب (ZPD):
- قدم مفهوم “منطقة النمو القريب” الذي يشير إلى الفجوة بين ما يمكن للمتعلم القيام به بمفرده وما يمكنه القيام به بمساعدة الآخرين.
- يُعتبر الدعم (أو التوجيه) من الأقران أو المعلمين حاسمًا لتوسيع قدرات المتعلم.
3. جيروم برونر (Jerome Bruner)
الأسس النظرية:
- ساهم جيروم برونر في تطوير نظرية التعلم البنائي من خلال التركيز على العمليات الإدراكية والمعرفية.
- اعتبر أن التعليم يجب أن يسهل اكتشاف المعرفة بشكل مستقل وأن يشجع التفكير النقدي.
التعلم بالاكتشاف:
- شجع برونر على التعلم بالاكتشاف، حيث يتمكن المتعلمون من استكشاف المعلومات وبناء المعرفة بأنفسهم.
- اعتقد أن تنظيم المواد التعليمية بطريقة هرمية يمكن أن يعزز التعلم الفعال.
4. إرنست فون جلاسرزفيلد (Ernst von Glasersfeld)
الأسس النظرية:
- كان فون جلاسرزفيلد من رواد البنائية الراديكالية، حيث أكد على أن المعرفة ليست مجرد تمثيل للعالم الواقعي، بل هي بناء ذاتي ينشئه الفرد.
- رأى أن التعلم هو عملية تكيف حيث يقوم الأفراد بإعادة تنظيم أفكارهم بناءً على تجاربهم الشخصية.
التعليم كتجربة شخصية:
شدد على أن التعليم يجب أن يركز على تعزيز الفهم الشخصي والقدرة على التكيف مع مواقف جديدة، بدلاً من حفظ الحقائق والمعلومات.
تُظهر النظرية البنائية كيف يمكن للتعلم أن يكون عملية نشطة يشارك فيها المتعلمون بفاعلية في بناء المعرفة. يُعد كل من بياجيه، وفيغوتسكي، وبرونر، وفون جلاسرزفيلد من الرواد الرئيسيين الذين أسسوا مفاهيم هامة في البنائية، مما أثر بشكل كبير على الممارسات التعليمية والتربوية. من خلال التركيز على دور التفاعل الاجتماعي والتجربة الشخصية في التعلم، تقدم النظرية البنائية إطارًا قويًا لفهم كيفية اكتساب المعرفة ونموها.