لا بدّ وأن علم الإرشاد النفسي هو علم يقوم على النتائج والاحصائيات التي تؤكد صحّة الإجراءات التي تمّ القيام بها أثناء سير العملية الإرشادية، ولعلّ ما يتم مراقبته خلال هذه المرحلة والمراحل الأخرى التي تعقب انتهاء العملية الإرشادية هو نمط الاستجابة الذي يصدر عن المسترشد قبل وأثناء وبعد خضوعه للعملية الإرشادية، ويعتبر هذا النمط المتعلّق بالاستجابة العنوان الأبرز لمقدار النجاح أو الفشل الذي وصلت إليه العملية الإرشادية.
ما أبرز أنماط الاستجابة الصادرة عن المسترشد في الإرشاد النفسي
1. نمط مؤكد لذاته
يعتبر هذا النمط هو النمط الأكثر رواجاً وأكثر احتراماً من بين الأنماط الشخصية الأخرى، وعادة ما يكون المسترشد الذي يتميّز بهذا النمط السلوكي هو الشخص الأكثر استجابة ورغبة في التخلّص من المسلكيات غير السويّة، حيث أنّ المسترشد خلال هذا النمط عادة ما يعمل على ضبط مسلكياته وتصرفاته بصورة محترمة يقوم من خلالها باحترام ذاته واحترام الآخرين.
وعادة ما يكون هؤلاء الأشخاص قادرين على ضبط التصرفات غير السويّة ويحاولون التخلّص منها بسرعة كونها لا تتناسب مع نمط الشخصية السائد لديهم، فهم يعتبرون أن حقوق الآخرين أمر لا يمكن أن يتمّ التنازل عنه أو المساس به مهما حصل، وعادة ما يبدي هذا النوع من المسترشدين استجابة كبيرة للإرشاد النفسي خلال خضوعهم للعملية الإرشادية.
2. نمط غير مؤكد لذاته
يفتقر هذا النوع من الأنماط إلى مساحة الثقة التي يمتلكها الأشخاص الواثقون بأنفسهم، فهم يتركون من خلال هذا النمط المثير من المجال للآخرين بأن يقرّروا مصائرهم ويتحكموا في قراراتهم، بحيث أنّهم لا يجدون أي استقرار فكري أو نفسي في الآراء والأفكار التي يتحدّثون بها.
وهذا النمط من المسترشدين يسهل السيطرة عليهم من قبل المرشد ولكن يصعب كثيراً إحداث تحولات جذرية في أنماط الشخصية وإعادة تهيئتها مرّة أخرى بصورة منطقية تتوافق مع المجتمع، ويعمل المرشد من خلال العملية الإرشادية على محاولة إثبات الذات لديهم وإقناعهم بمدى الأهمية الكبيرة التي هم عليها، وأن عليهم أن يكونوا أكثر ثقة وقدرة في إدارة أنفسهم بصورة بعيدة كل البعد عن الآخرين.
3. نمط عدواني
يميل المسترشد خلال هذا النمط إلى العدوانية وعدم احترام الآخرين، وعادة ما يحاول هذا النوع من الأشخاص في بسط نفوذهم وسيطرتهم الفكرية والنفسية على الآخرين، وهم لا يكترثون كثيراً بالمبادئ والعادات والقيم والقوانين التي تحترم حقوق الإنسان، كما وأنّ مسلكياتهم تميل إلى العنف ومحاولة إثبات وجهات النظر بطرق غير قانونية ولا مقبولة من قبل الآخرين.
لذلك فهم يحتاجون إلى مرشدين أصحاب اختصاص ليتمكّنوا من التواصل معهم وإقناعهم بحجم المشكلة التي يعانون منها، ويصعب في كثير من الأحيان أن يصرّح هذا النمط من المسترشدين بالمشاكل الشخصية الخاصة أو يقبلون الخوض فيها، ولعلّ علم الإرشاد النفسي من العلوم التي خصّصت طرقاً وأساليب إرشادية أكثر تخصصية من أجل التواصل معهم ومحاولة معالجة المشاكل الإرشادية التي يعانون منها بطريقة سهلة وفعّالة، لتكون المخرجات أكثر موضوعية.
هذا النمط من الشخصيات لا يمكن أن يقوم المجتمع باحتضانه حتّى من المقربين لديه، ففي أول فرصة قانونية يتمّ مواجهته بصورة غير متوقّعة في محاولة المجتمع التخلّص منه، ولعلّ هؤلاء الأشخاص يحاولون عادة أن ينجحوا بأخذ حقوق غيرهم، وهم غير قادرين على توكيد ذاتهم لذلك لا نجد لديهم أي توازن عاطفي أو وجداني.
ونجد أن كثيراً من مشاكل حياتهم تتعلّق بالجانب العاطفي وعدم القدرة على بناء علاقات حقيقية تخلق التوازنات الطبيعية بين البشر، فهم عادة لا يستطيعون التمييز بين الصديق والعدو والمصلحة والعاطفة، لنجد أنّهم يلجؤون في نهاية المطاف إلى العزلة الاجتماعية وعدم القدرة على تقبّل المجتمع.
يقوم هذا النوع من الأنماط الشخصية للمسترشد باستخدام العديد من الوسائل غير المرغوبة للتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم، لذلك لا يستسيغهم كثيراً من الأشخاص الذين يعرفونهم لنجد أنهم أشخاص غير قادرين على الحبّ مثلاً، والاستجابة العاطفية لديهم شبه معدومة.
وعندما يخضع هذا النمط من الأشخاص للعملية الإرشادية يصعب على المرشد إقناعهم بأخطائهم او بالمشاكل النفسية التي يعانون منها، وبالتالي تكون العملية الإرشادية في غاية الصعوبة، ولا يقبل هذا النوع من المسترشدين الخضوع للعملية الإرشادية او العمل على تغيير مفاهيمهم الخاصة أو طريقة تواصلهم وتعاملهم مع الآخرين.