أهم الحجج ضد التجريبية البناءة في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


قد تكون جميع التفسيرات المحتملة للتجريبية البَنّاءة صحيحة وناجحة وهذا خطأ، حيث أنها ذات حِجَج خاطئة في معظم الأحيان، وبالتالي سيكون من غير الحكمة الاعتقاد بأن جميع التفسيرات للتجريبية البَنّاءة هو التفسير الصحيح، فمن المعقول الاعتقاد بأن أي حِجة خاطئة تشير إلى أننا محظوظين للوصول إلى النطاق الصحيح من التفسيرات المحتملة للبدء في استراتيجية التجريبية البَنّاءة في علم النفس.

أهم الحجج ضد التجريبية البناءة في علم النفس

تعتبر التجريبية البَنّاءة من الاستراتيجيات التي كان لها العديد من الحجج الموافقة لها كما تشتمل على العديد من النقد، حيث تتمثل أهم الحِجَج ضد التجريبية البَنّاءة في علم النفس من خلال ما يلي:

1- حجة المعجزة

تتمثل إحدى الطرق التي قد يدعم بها التجريبي البَنّاء استراتيجية التجريبية البَنّاءة في علم النفس بشكل غير مباشر في مناقشة حِجَة العالم هيلاري بوتنام المعروفة بحِجَة المعجزة للواقعية العلمية، حيث تتمثل هذه الحِجَة أن الواقعية العلمية هي الظاهرة النفسية الوحيدة التي لا تجعل من نجاح العلم مستحيل بل يمكن تحقيقه، ومنها يواصل بوتنام القول بأن التصريحات التي قد يدلي بها الواقعي العلمي حول نظرياتنا العلمية الناضجة هي جزء من التفسير العلمي الوحيد لنجاح العلم، ولإعطاء وصف علمي مناسب للعلم يجب افتراض الواقعية العلمية.

ثم كانت وجهة نظر العالم فان فراسن في أن النظرية يمكن أن تكون كافية تجريبياً، ومن ثم تتمسك مع الانتظامات التي يمكن ملاحظتها في الطبيعة دون أن تكون صحيحة، ومنها يتوقف التنافس العلمي بين النظريات على النظرية التي تصف بدقة العالم المرئي ولا يتوقف الأمر على أي نظرية صحيحة في الواقع، وبالتالي لن يكون من المعجز أن يتوصل العلم إلى نظرية مناسبة تجريبياً وناجحة علميًا ولكنها خاطئة.

2- حجة الاستدلال على التفسير الأفضل

الاستدلال على التفسير الأفضل هو قاعدة الاستدلال المثيرة للجدل والتي تنص بشكل أساسي على أنه من فئة التفسيرات المحتملة التي لدينا لبعض الظواهر، يجب أن نستنتج أن أفضل تفسير ويكون هو التفسير الصحيح، بحيث إذا كان الاستدلال على أفضل تفسير هو قاعدة نقوم أو يجب اتباعها، فيبدو كما لو أن التجريبية البَنّاءة هي وصف دقيق أو وصفة لأهداف العلم التي يجب أن نعترف بواقع الكيانات لها أنه أفضل شرح لدينا وتفترض النظريات حتى لو كانت تلك الكيانات غير قابلة للرصد.

قد يقدم التجريبي البَنّاء عدة ردود على هذا التحدي مثل أنه قد لا يفوز الاستدلال على أفضل تفسير تلقائيًا باعتباره وصفًا للممارسة الاستنتاجية الفعلية للعلماء، حيث يمكن وصف هذه الممارسة بشكل جيد بالقول إن العلماء يعتقدون أن أفضل نظرياتهم التفسيرية مناسبة تجريبياً وليست صحيحة، ولوحظ مع ذلك أن التجريبي البَنّاء لا يؤيد في الواقع القاعدة التي يجب أن نعتقد أن أفضل تفسير مناسب تجريبيًا.

يعتقد التجريبي البَنّاء أن النظريات لا يمكن أن تشرح بشكل كافٍ الانتظام في الطبيعة إلا إذا أخذنا النظريات على أنها صحيحة، لكن يمكن للنظريات أن تفسر ما إذا كنا نعتبر النظريات كافية تجريبياً، لذا حتى لو سمحنا بالاستدلال على أفضل تفسير كقاعدة شرعية للاستدلال، يجب على الواقعي أن يقدم بعض الأسباب الإضافية للاعتقاد بأن الاختبار مثلاً صحيح هو تفسير أفضل من أن نقول أن الاختبار مناسب تجريبيًا.

أي صياغة احتمالية للاستدلال على أفضل تفسير غير متماسكة احتماليًا، سوف يقوم التجريبي البَنّاء بتحديث متماسك في ضوء الأدلة الجديدة لها، ولكن بعد ذلك يريد مؤيدو الاستدلال إلى أفضل تفسير أن يعطي التجريبي البَنّاء وزنًا احتماليًا إضافيًا دون مبرر للفرضية التي هي أفضل تفسير، باختصار نظرًا لأن التجريبية البَنّاءة ترفض الاستدلال على أفضل تفسير، فإنها لا تتأثر بحجج الواقعية التي تستخدم قاعدة الاستدلال تلك.

3- حجة التمييز الملحوظ أو غير الملحوظ

النوع القياسي للاعتراض على التجريبية البَنّاءة وهو النوع الذي كان سائدًا بشكل خاص بعد فترة وجيزة من نشر الصورة العلمية، هو نوع الاعتراض الذي يتعارض مع وضوح أو حِجَة التمييز الملحوظ أو غير الملحوظ، فمن خلال أضواء التجريبية البَنّاءة يمكن رؤية الأشياء العيانية البعيدة؛ لأنه إذا كنا في مكان قريب يمكننا رؤيتها أكثر، والذي يأخذها مشكلة مع الأهمية التي يوليها التجريبي البَنّاء للحجم، في مقابل القرب الزماني المكاني.

تشير حِجَة التمييز الملحوظ أو غير الملحوظ إلى أنها مجرد حقيقة عرضية مفادها أن البشر يتحكمون في موقعهم الزماني المكاني، ولكن ليس على حجمهم، وتستنتج حجة التمييز الملحوظ أو غير الملحوظ أن التمييز بين الأشياء غير المرصودة ولكن التي يمكن ملاحظتها، والأشياء التي لا يمكن ملاحظتها، هو مبدأ ضعيف للغاية وغير مناسب تمامًا لتحمل الوزن الكبير الذي يضعه التجريبي البَنّاء عليه.

قدم العالم إيان هاكينج حجة أخرى تثير التساؤل عن أهمية التمييز الملحوظ أو غير الملحوظ، حيث أنه يعتبر القرصنة آلة تصنع شبكات من نفس الشكل ولكن بأحجام مختلفة، يمكننا أن نرى شبكات بنفس الشكل العام بأحجام أصغر وأصغر، لكن الآلة تصنع بعض الشبكات الصغيرة جدًا بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ومع ذلك عند النظر إليها من خلال المجهر يُنظر إلى الشبكات غير القابلة للرصد على أنها نفس شكل الشبكات التي يمكن ملاحظتها.

تدعي حجة التمييز الملحوظ أو غير الملحوظ أن الصور التي تنتجها العديد من الأدوات العلمية تتطلب بعض الجهد التفسيري بالنسبة لنا لتقديم تأكيدات حول ما نراه، فما نراه من خلال المجاهر الضوئية من ناحية أخرى يختلف اختلافًا مهمًا، ومنها ففي مثل هذه الملاحظة نأخذ أنفسنا لرؤية الكائن الذي يتم تكبيره بنفسه على الفور وبدون جهد تفسيري.

الاستنتاج الذي توصلت إليه حِجَة التمييز الملحوظ أو غير الملحوظ هو أنه على عكس ما يدعي العالم فان فراسن، فإن ما يمكن ملاحظته يتجاوز ما يمكن أن يلاحظه أعضاء مجتمعنا المعرفي دون مساعدة من خلال أدوات القياس، وما يمكن ملاحظته إلى الحد الأدنى يشمل أيضًا الأشياء التي يتم عرضها من خلال المجاهر الضوئية، بالإضافة إلى الكائنات الأخرى التي لا تتم ملاحظتها بالمثل عن طريق التفسير.

4- حجة ما يمكن ملاحظته مقابل ملاحظته

وفقًا للتجربة البَنّاءة لا يوجد مبرر معرفي بحت لتجاوز الأدلة، لكن لماذا إذن يرى التجريبي البَنّاء أن الهدف من العلم ينطوي على تجاوز الأدلة؟ ومنها تريد التجريبية أن تكون متواضعة من الناحية المعرفية لكن الاعتقاد بأن النظرية مناسبة تجريبياً يتجاوز بكثير إنجازات التجربة، ومن ثم يمكن للمرء أن يعترض على التجريبية البَنّاءة من خلال الإشارة إلى أنها ليست متواضعة بما فيه الكفاية من الناحية المعرفية، ويجب استبدال العقيدة القائلة بأن هدف العلم هو الحقيقة حول ما يمكن ملاحظته بالعقيدة القائلة بأن هدف العلم هو حقيقة ما تم ملاحظته بالفعل.

تتضمن التجريبية البَنّاءة التزامًا سابقًا بعقلانية العلم وإنها عقيدة حول ماهية هدف العلم في الواقع، أي إنه لا يحاول تقديم حساب مراجعة لكيفية عمل العلم على عقيدة أن الهدف من العلم هو حقيقة ما لوحظ، ولن يكون هناك سبب علمي لشخص ما للقيام بتجربة من شأنها أن تولد ظاهرة لم تتم ملاحظتها من قبل، لكن من السمات المميزة للعلماء الجيدين أنهم يجرون تجارب تتجاوز حدود ما لوحظ حتى الآن.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف، 2015.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم، 1995.علم النفس العام، هاني يحيى نصري، 2005. علم النفس، محمد حسن غانم، 2004.


شارك المقالة: