تم التركيز على تطوير العلوم الحديثة، فعلم النفس يمكن تتبعه تاريخ عبر التقاليد التاريخية الغربية، كما يمكن اعتباره تعامل طبيعي لمجالات الفلسفة والعلوم، بالرّغم من أنّ هذا تراث غني أدى بنا إلى الحاضر، إلا أنّه لا يجب إهمال التقاليد الموجودة في الأجزاء الشرقية من العالم، كان للمفكرين من الشرق تأثير على تطوير العلوم الحديثة وعلم النفس.
ترك هذا ثغرة في الفهم التاريخي لتطور العلوم الحديثة، إضافة لإدراج تلك الأفكار التي لم يتم فهمها أو سماعها بشكل جيد، فقد يركّز البعض على التدخلات المحتملة لمنفعة اليوم الحالية، فقد يكون بعض هذه التدخلات مصدر للتوجيه للأفراد من خلفيات متنوعة، بينما ننتقل أكثر نحو عالم عالمي ومتنوع .
ابن سينا:
هو أحد من العلماء والأطباء المسلمين، ولد سنة 980 ميلادي في قرية بجانب بخارى تُعرف بأفشنة؛ تتبع في الوقت الحالي أوزباكستان، فارق ابن سينا الحياة عام 1037 ميلادي في مدينة همدان الإيرانيّة، ركّز في حياته على بعض المجالات مثل الطب الإسلامي والفلك والكيمياء والفلسفة والجغرافيا والشعر العربي والرياضيات والشعر الفارسي.
كان لابن سينا مجموعة من الألقاب؛ مثل أمير الأطباء والشيخ الرئيس وأبو الطب الحديث، حيث عمل خلال مسيرته على تأليف 200 كتاب في مجالات متعددة، مثل كتاب القانون في الطب والشفاء، من أهم أعماله التي فسّرت مبدأ زخم الحركة؛ الريادة في طب الروائح، كان يحب الترحال حيث بقي 19 سنة من حياته في مدينتي خوارزم وهمدان؛ ذلك من أجل طلب العلم.
ابن سينا وعلم النفس:
كان ابن سينا يدرس علم النفس الكلاسيكي وظهر ذلك في كتبه؛ مثل الشفاء والنجاة، تم إدراج العناوين التي درسها بلغة اللاتين وكان العنوان (دي أنيما) ومعناه أطروحات داخل الروح، فقد قام ابن سينا بتعريف النّفس بعد أن قسّمها إلى نباتيّة وحيوانيّة وإنسانيّة، معنى النباتيّة الكمال الأوّليّ لجسم الإنسان الطبيعيّ، تمتلك النفس القوة المولدة والمنمية ، التي يستطيع من خلالهم توليد القوة وأن يربو ويتغذّى.
أمّا أنّ النفس الحيوانيّة فتعني الكمال بشكل أولي لأجزاء الجسم، التي يتحكم الجسم بها عن طريق الإرادة، ثمّ النفس الإنسانيّة وتعني الكمال لعقل الإنسان الذي يفكّر في الأمور من حوله، فكان يوجد تصوّر لابن سينا عن تصور النفس من خلال ثلاثة أسئلة وهي؛ من أين جاءت النفس وما هي العلاقة التي تربط النفس بالبدن وما هو مصير النفس.
أفكار ابن سينا في علم النفس:
الخوف من الموت:
قام ابن سينا بالبحث في منطقة قلق الموت وقام بملاحظة وجود خوف عالمي، ذكر ابن سينا أنّه يوجد ثلاثة أنواع معرفية من أسباب القلق من الموت، تضمّن ذلك بعض الأنواع من التفكير المضطرب، كالجهل فيما يتعلق بالموت وعدم التأكد ممّا يتبع بعد الموت ويفترض أنه بعد الموت، قد تتوقف الروح عن الوجود، كما ذكر أنّ درجة القلق الذي يشعر به المرء يرتبط مباشرة بمستوى المعرفة المرتبطة بفكرة الموت.
يوجد تشابه بين هذه الأفكار و النظرية السلوكية المعرفية ، حيث ينظر إلى الأمراض على أنّها عدم فهم للاضطراب الذي يعاني منه المرء والتفكير المضطرب، بمجرد أن تبدأ عملية إعادة الهيكلة المعرفية، يجب أن يتضاءل الاضطراب وبالمثل، يوصي ابن سينا بالبحث عن التربية الدينية للتخفيف من هذه الأفكار؛ ممّا يقلل من تجربة القلق من الموت.
مشكلة العقل والجسم:
قام ابن سينا بإمضاء الكثير من الوقت في مشكلة العقل والجسم، كان يعتقد أن العقل البشري يشبه المرآة ولديه القدرة على أن يعكس المعرفة ؛ لأنّه يقوم باستخدام الذكاء النشط (أي التفكير)، فكلما زاد تفكيرنا أصبحت المرآة أكثر وضوح، كما توجّه نفسها نحو اكتساب المعرفة الحقيقية، أيضاً إن العقل يتحكم في الجسم ويوجد علاقة هرمية مباشرة بين الاثنين، فعندما يريد العقل تحريك الجسم فإنّ الجسم يطيعه.
أمّا المستوى الثاني من سيطرة العقل على الجسم هو من خلال التأثير على العواطف والإرادة، يمكن أن تؤدي العواطف القوية إلى نبوءات تتحقق بشكل ذاتي، إذا اعتقد المرء أنّه سيفشل، فإنّ احتمال الفشل سيزداد ويمكن أن يسبب هذا اضطراب في الصحة النفسية.
حيث يمكن أن يقوم العقل بالتأثير على الصحة وعلى الوظائف الفيسيولوجية، هذا يشبه بشكل كبير الأدلة العلمية الحالية على تأثير الإجهاد في جهاز المناعة، مما يؤدي إلى زيادة محتملة في الأمراض الجسدية، اعتقد ابن سينا أيضا أنّ الشخصية القوية أو الروح يمكن أن تؤثر على الآخرين عن طريق التنويم المغناطيسي .
الاضطرابات النفسية:
تكلّم ابن سينا عن الاضطرابات النفسية وكان يعتقد أنّ الكآبة تعتبر اضطراب يشك فيه المرء، كما يختلط عادة مع أنواع الرهاب، كما قال أنّ الغضب ينجم عن انتقال أحدهم من السوداوية إلى الهوس، كذلك كان يعتقد أنّ السبب في ذلك هو وفرة الرطوبة في الرأس، ينتج عن التنفس حدوث رطوبة في الرأس ولكن إذا كان لدى الشخص رطوبة أكثر من اللازم في الرأس ، فقد تتطور إلى اضطراب عقلي.