بشكل عام جاءت المعلومات حول علم نفس الشخصية من ثلاثة مصادر مختلفة؛ الأول بيولوجي ومن المفترض أن يكون له أصول جينية وبيئية؛ الثاني هو المجال الاجتماعي بما في ذلك تأثير القوى الاجتماعية على نمو الطفل الذي يشكل الاستجابات الشخصية مثل الدوافع والسمات والسلوكيات والمواقف، أمّا الثالث فهو فحص الاتصالات السريرية مع الأشخاص الذين عانوا من فشل في التكيُّف، اقترحت بعض السلطات أن درجة أكبر من تكامل جميع مصادر المعلومات الثلاثة والأساليب المشتقة منها من شأنها أن تسرع من نمو المعلومات الصحيحة حول الشخصية.
اتجاهات علم نفس الشخصية:
عندما ننظر إلى الوراء في الجدول الزمني إلى نظريات علم نفس الشخصية ، نبدأ أيضاً في رؤية بعض الاتجاهات في كيفية شرح المنظرين للشخصية وكيف يرى المجتمع العالم ككل، في البداية كان علم الأحياء هو المصدر الرئيسي للفهم، تم تدريب معظم المنظرين الأوائل في الطب وكان ينظر إلى العلوم الفيزيائية والشخصية من منظور بيولوجي للغاية، بدا أنّ فرويد كسر هذا الاتجاه ممّا زودنا بنظرة نفسية أكثر للطبيعة البشرية، ربما يشرح سبب اعتباره غالباً أب علم النفس الحديث، بعد فترة وجيزة ظهرت وجهة نظر السلوكية؛ حيث جادلت بأنّ الشخصية كانت تحت سيطرتنا من خلال التعزيز والتكييف.
نشأ النهج الإنساني خلال فترة الحرب والاحتجاجات في الولايات المتحدة، بينما كان الناس يتعاملون مع معتقداتهم الخاصة حول صلاح الإنسان؛ قدم ماسلو وروجرز نظريتهم الخاصة حول الخير الفطري فينا جميعاً، لقد كان نهج إيجابي سمح لنا بنسيان الماضي والتحرك نحو غد مشرق، بدأت النزعة الإنسانية تتلاشى في ثمانينيات القرن العشرين، ربما بسبب اندماجها في نظريات أخرى غير عيوبها الكامنة، من المتفق عليه على نطاق واسع اليوم أنّ التقدير الإيجابي غير المشروط والتركيز على الإيجابي لدى الأفراد وإقامة علاقة إيجابية ترتبط ارتباط وثيق بنتائج علاجية إيجابية.
أخيراً مع الاتجاه المتزايد نحو الفردية في الولايات المتحدة والاعتقاد بأنّنا قادرون على التحكم في مصيرنا، نمت الإدراكية لتصبح موضوع مركزيً في النظرية النفسية، مهدّ كيلي وإيليس وبيك الطريق لفهم كيف أن تصوراتنا الخاصة بالعالم هي أكثر أهمية بالنسبة لنا بشكل فردي من واقع العالم، من خلال تغيير تصوراتنا يمكننا رؤية العالم، بالتالي مكاننا بداخله بطريقة مختلفة تماماً، إذا كنا نتابع الأخبار أو نشاهد التلفاز أو نجلس من خلال أي إعلانات تجارية اليوم، فسنلاحظ تغيير آخر يحدث داخل علم النفس.
يبدو أنّ هذا الاتجاه المتزايد اليوم يعود إلى النظرية البيولوجية، مع تطوير المزيد من الأدوية وتسمح لنا التقنيات الأكثر تقدم بإجراء المزيد من الأبحاث التفصيلية حول الدماغ، فإنّنا نرى علم النفس مرة أخرى من منظور بيولوجي، يبحث الناس عن هذا الإصلاح السريع وكل شيء آخر متساوي والأسرع دائماً هو الأفضل؛ لماذا نتحمل أعراض الانسحاب عندما يمكننا تناول حبة أو استخدام رقعة لمساعدتنا على الإقلاع عن التدخين؟ لماذا تمر شهور من العلاج في حين أنّ حبة واحدة في اليوم يمكن أن تبقي الكآبة بعيداً؟
حتى الاضطرابات الظرفية مثل اضطراب ما بعد الصدمة والرهاب الاجتماعي يتم علاجها الآن من خلال نهج بيولوجي؛مثل أي اتجاه وأي نظرية هناك جوانب إيجابية وسلبية، قد تكون إحدى إيجابيات ذلك هي القدرة على الشعور بتحسن أسرع، قد يُنظر إليه أيضاً على أنّه إيجابي؛ لأنّه يمكننا الآن إلقاء اللوم على الجينات بدلاً من أفكارنا أو سلوكياتنا على تلك الأفكار الاكتئابية أو السلوكيات المقلقة، على سبيل المثال إذا كان تناول حبوب منع الحمل يمكن أن يصلحنا فلماذا لا تتبع هذا الاتجاه؟
أصبح الجانب السلبي من هذا أكثر وضوح كل يوم، لقد وجدنا أنّ العديد من الآثار الجانبية للأدوية، كما وجدنا أيضاًَ أنّه في بعض الأحيان تعمل العلاجات غير البيولوجية بشكل أفضل ولا تحمل نفس الآثار الجانبية، بعض الأسئلة التي يتم النظر إليها من حيث اتجاهات اليوم تشمل؛ لماذا يستجيب بعض الأشخاص للأدوية بينما لا يستجيب الآخرون؟ كيف يمكننا تحديد متى يتم استخدام الدواء في حين أنه ليس ضروري حقاً؟ هل نفرط في العلاج أو نبحث عن تفسير بيولوجي حيث لا يوجد أي تفسير؟
البحث عن فهم الذات:
تشترك جميع نظريات علم نفس الشخصية في شيء واحد؛ جميعها مصممة لشرح من نحن في سعي الإنسان لتحسين فهم الذات، يركز الكثيرون على سبب الشخصية؛ مثل فكرة سيغموند فرويد عن المراحل النفسية الجنسية أو أزمات إريك إريكسون التي تستمر بأشكال مختلفة طوال حياتنا، يركز آخرون وينظرون فقط إلى حاضرنا، مثل البحث عن منظري السمات مثل كاتيل أو موراي.
لا يزال البعض الآخر أكثر قلق بشأن الحالة الداخلية لما يمكننا أن نصبح، يعتبر أبراهام ماسلو وكارل روجر مثالين أساسيين على ذلك؛ حيث يجادلون بأن الماضي هو أقل أهمية وأنه لا يمكن تغيير سوى الحاضر والمستقبل، من نواحي عديدة بدأت النظريات الفردية في الاندماج معاً مع ذلك، بينما لا يزال كل منها يحمل معتقداً أساسياً حول الشخصي؛، فإنّ خصوصيات كل نظرية لها تفسيرات بديلة، بينما صرّح فرويد أن الرغبات اللاواعية هي التي تقود سلوكنا؛ فإن فريدريك سكينر وآخرون قد يجادلون بأن التعزيز السابق حتى لو لم يتم التركيز عليه؛ هو القوة الدافعة.
يجادل علماء النفس بأن الوعي هو الأهم ولكن لا يستبعدون فكرة الإدراك اللاواعي تماماً، أمّا الإنسانيون فعلى الرغم من أنّهم لا يخاطبون اللاوعي بشكل مباشر، إلّا أنّهم يعتقدون أنّنا في بعض الأحيان مدفوعون بقوى غير دقيقة في العالم الحقيقي؛ فماذا يعني كل هذا؟ هذا يعني أنه على الرغم من أن الأفكار الأصلية للمنظر قد تكون ثابتة في الصخر، إلّا أنّ تفسير هذه النظريات وتغييرها والتلاعب بها سيستمر لفترة طويلة.
يمكن للطلاب قراءة التفسيرات المحددة للشخصية، لكن الأمر متروك لكل واحد منهم على حدة لتفسير هذه الأفكار والتخلص ممّا لا معنى له والتمسك بالأجزاء التي تبدو مناسبة، بهذا المعنى قد يكون لكل فرد وجهة نظر مختلفة قليلاً عن كيفية تطور الشخصية وكيف ينبغي تقييمها وكيف يمكننا استخدام معتقداتنا لتغيير الشخصية.
الفروق بين الجنسين:
على الرغم من الاختلافات الجسدية بين الذكور والإناث؛ إلا أنّ اكتشاف الفروق السلوكية بين الجنسين أمر مثير للجدل، تعتمد السلوكيات المرتبطة بأدوار الجنسين بشكل كبير على السياق الاجتماعي والثقافي وبالتالي فإنّ دراسات القوالب النمطية لأدوار الذكور والإناث غامضة بشكل مفهوم، مع ذلك تشير بعض النتائج إلى اختلافات صغيرة ولكنّها متسقة، على الرغم من عدم وجود فروق في معدل الذكاء المُقاس والذي يعتبر في حد ذاته تقييم مرتبط بالثقافة، فإنّ أداء الإناث أفضل من الذكور في المهام اللفظية.
تبدأ الفتيات عموماً في التحدث في وقت مبكر عن الأولاد ولديهن مشاكل لغوية أقل في المدرسة وأثناء النضج، يظهر الذكور عموماً مهارة أكبر في فهم العلاقات المكانية وفي حل المشكلات التي تنطوي على الرياضيات والمنطق، بداية من مرحلة الطفل الصغير يكون مستوى نشاط الذكور أعلى بشكل عام من مستوى نشاط الإناث، من النتائج ذات الصلة أن الأولاد هم أكثر عرضة للانفعال والعدوانية من الفتيات ويتصرفون في الغالب مثل المتنمرين.
عادةً ما يتفوق الرجال على النساء في اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع والتي تتكون من الكذب المستمر والسرقة والتخريب والقتال، على الرغم من أن هذه الاختلافات لا تظهر إلا بعد سن الثالثة تقريباً، دراسة أجراها علماء الأنثروبولوجيا الأمريكيونبياتريس ب. وايتنج و وجدت كارولين ب.إدواردز؛ أنّ الذكور كانوا دائماً أكثر عدوانية من الإناث في سبع ثقافات، مما يشير إلى وجود استعداد لدى الذكور للاستجابة بقوة للمواقف الاستفزازية، على الرّغم من أن كيفية حدوث الاستجابة الهجومية وما إذا كانت تعتمد على البيئة الاجتماعية والثقافية.
عندما ننظر إلى هذه القضايا سنجد على الأرجح أنّه لا توجد نظرية واحدة يمكنها تفسير كل جانب من جوانب تعقيدات الشخصية البشرية، من المحتمل أن تلعب البيولوجيا دور مهم في الكثير من شخصيتنا ويتفق معظم علماء النفس مع هذه الفكرة، من المحتمل كذلك أن تعمل المناهج البيولوجية بشكل أفضل في علاج شخصية معينة أو مشاكل الصحة النفسية.
الآن بعد أن أصبح الاتجاه كامل؛ فإن الأمر متروك للطلاب في علم النفس لمحاولة فهم ما يعرفوه، هذا هو الوقت المثالي في علم النفس ودراسة الشخصية لبدء عملية الاندماج، من خلال النظر إلى ما نعرفه ودمج ما يصلح وتقليل ما لا يصلح، يمكننا تشكيل نظريات هجينة جديدة في بحثنا الأبدي عن فهم الذات.
الجوانب الجينية:
بينما يؤكد منظرو التعلم الاجتماعي على التشكيل النشط للشخصية من خلال التأثيرات الاجتماعية الخارجية، تراكمت الأدلة التجريبية أنّ العوامل الوراثية تلعب دور بارز إن لم يكن في نقل أنماط سلوك معينة، فعندئذ في استعداد الناس للاستجابة للضغوط البيئية بطرق معينة، في ملاحظات الحيوانات من الشائع أن نجد في سلالات مختلفة من الكلاب اختلافات واسعة في السلوك تُعزى إلى الاختلافات الجينية؛ بعضها ودود والبعض الآخر عدواني وبعضها خجول؛بالطبع قد يكون هناك أيضاً اختلافات واسعة داخل سلالة معينة.
من بين الأطفال الرضع الذين تمت ملاحظتهم في حضانة الأطفال حديثي الولادة؛ هناك أيضاً اختلافات ملحوظة في النشاط والسلبية والانزعاج والعناق والاستجابة؛ هذه الأنماط التي تقول بعض السلطات إنّها قد تتأثر جينياً، تشكل الطرق التي سيتفاعل بها الرضيع مع البيئة ويمكن اعتباره تعبيراً عن الشخصية.