الاضطراب العصبي والقلق النفسي بعد الصدمة

اقرأ في هذا المقال


يظهر الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة بعد أن يتعرّض الشخص لصدمة نفسية قد تأتي بسبب كارثة طبيعية أو نزاع مسلّح أو هجوم عدائي أو حادث مفزع، إنّ القواسم المشتركة في الحالات المذكورة هي الخوف والرّعب والشعور بالعجز، التي تدفع بالدماغ لدى بعض الأشخاص إلى برمجة ردة فعل غير صحية تفرز حالة نفسية مقلقة تحول دون الشفاء الطبيعي.
إنّ بعض الوقائع التي ترتبط بهذا الاضطراب والتي تفيد أن 15% إلى 35% فقط من ضحايا الصدمات يصابون بالاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة، كما أنّ البعض الآخر قد يصاب أحياناً بهذا الاضطراب بدون التعرّض لأيّ حوادث مروّعة، تشير إلى أنّ بعض الأدمغة لديها استعداد تلقائي للإصابة بهذا الاضطراب، أمّا الأدمغة الأخرى فهي قادرة على مقاومته.

الاضطراب العصبي والقلق النفسي بعد الصدمة:

إنّ العوارض التي تلزم لهذا الاضطراب كالقلق والكآبة والإدمان وتعاطي المخدرات وغيرها من الأمراض الجسدية؛ كالربو وارتفاع ضغط الدم والتعب والألم المزمن، تتداخل لتجعل من الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة اضطراب متعدد الوجوه ذو مظاهر طبية لا تحصى ولا تعد، إلاّ أنّ الأعراض الثلاثة الأساسية لهذا الاضطراب فهي إعادة تخيّل الحادث المريع وتجنّب كل ما من شأنه التذكير بالحادث والفرط في التيقظ والحذر لمدّة شهر على الأقل من تاريخ وقوع الحادث.
تعني إعادة تخيّل الحادث التذكر اللاإرادي للحادث من جديد من خلال الصور والكوابيس والذكريات المؤلمة، أمّا الفرط في التيقظ فيكون من خلال الأرق وحدة الطبع وقلة التركيز والحذر المفرط وردات الفعل المفزعة، في حين يتمثّل آخر العوارض بالابتعاد عن كل ما ينشّط الذكريات المؤلمة بما فيه تجنب الأشخاص والأماكن والأوضاع والروائح والصور التي من شأنها إعادة إحياء الحادث.
يشيع الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة في المجتمع المليء بجو من العنف، تشير التقديرات أن 5% إلى 10% من الرجال ونحو ضعفهم من النساء يختبرون الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة خلال حياتهم، كما أنّ الاضطراب يدوم لفترة أطول لدى النساء بمعدّل 48 شهر مقابل 12 عند الرجال، عادةً ما يشفى أغلب مرضى الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة بعد مرور سنتين، لكنّ الشفاء قد لا يكون نهائياً إذ يستمر البعض باختبار بعض العوارض الترسبية لفترةٍ أطول.

علاج الاضطراب العصبي والقلق النفسي بعد الصدمة:

من الصّعب أن يُقر المرضى بمعاناتهم من الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة؛ ذلك لأنّهم نادراً ما يربطون بين عوارضهم والأحداث التي تعرضوا لها بسبب خجلهم من هذا الاضطراب، لذلك قد لا يعزو من يشكو من وجع مزمن في الظهر أو من يتعاطى المخدرات أو يشكو من الكآبة عوارضه إلى انفجار وقع منذ بضعة سنوات، كذلك قد تعاني المرأة من القلق والألم في الحوض والتعب من الربط بين هذه العوارض وعملية الاغتصاب التي تعرّضت لها خلال فترة المراهقة.
يوجد العديد من العلاجات الطبية والنفسية الخاصة بمرضى الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة، يقوم العلاج النفسي بالاعتماد على اكتشاف أثر الصدمة من خلال العوارض الملازمة للمريض والعمل على تلطيفها من خلال العلاج السلوكي المعرفي الذي يستند على مساعدة المريض في إدراك العوارض التي يعاني منها ويستطيع التحكم بها، في حين عندما يتعلّم المريض هذه المهارة يصبح قادراً على معالجة نفسه بنفسه فيدرك خلفيات أفكاره ومشاعره السلبية ويدقّق فيها ويطرحها جانباً نظراً لعدم ارتكازها على أدلة عقلانية.
يقوم العلاج الطبي بالارتكازعلى تصحيح شوائب التركيبة الكيميائية للدماغ التي ترافق الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة، فضلاً عن معالجات الاضطرابات الثانوية الأخرى التي تترتب عنه مثل القلق والكآبة والتعب والآلام الجسدية، أمّا الاختلال في كيميائيات الدماغ فيتمثل في انخفاض في معدلات الكورتيزول وارتفاع في معدلات الأدرينالين ويتجاوب مع أدوية معينة لضغط الدم والكآبة، الواقع أن كيمياء الدماغ علم في غاية التعقيد والأجدى توكيل الأطباء المختصين في معالجة الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة مهمة وصف العلاجات الأنسب.
إنّ الصدمات أو الحوادث المروعة أمر لا يمكن الهروب منه وعلى الأرجح أنّها تستمر في تأثيرها على حياتنا على النحوين الإيجابي والسلبي، ففي حين تجعلنا بعض الصدمات في حالة أفضل وأقدر، إلّا أنّ هناك صدماتٌ أخرى تساهم في إضعافنا وزيادة أمراضنا، تشكل حدة الصدمة والإطار الثقافي والتاريخي وتركيبة الإنسان المتغيرات الثلاث الأبرز التي تحدد على أساسها النتيجة.

المصدر: الصدمة النفسية، أحمد محمد عبد الخالقالصدمة النفسية، عدنان حب اللهالضغوط والأزمات النفسية، فاطمة النوايسة


شارك المقالة: