السلوك المحكوم بنتائجه في تعديل السلوك لذوي الاحتياجات الخاصة

اقرأ في هذا المقال


التعامل مع السلوك بوصفة محكوم بنتائجه لتعديل السلوك ذوي الاحتياجات الخاصة:

استناداً إلى البحوث العلمية المستفيضة، فإن الخاصية الأساسية لمنحى تعديل السلوك تتمثل في تعامله مع السلوك الإنساني بوصفة وظيفة لنتائجة، فإذا كانت المخرجات السلوك إيجابية، أي إذا أدى السلوك إلى حصول الفرد على ما يحب مما لا يحب أصبح الفرد أكثر ميلاً لتأدية ذلك السلوك في المستقبل.

فالافتراض الأساسي الذي يقوم عليه منحى تعديل السلوك هو أن التحكم بالسلوك يعني بالضرورة التحكم بنتائجه، وعلى الرغم من بساطة هذا المبدأ ووضوحة، إلا أننا غالباً ما نتجاهله عند محاولة تحليل سلوكاً أو سلوك الآخرين.

فكثيرون هم الذين يعتقدون أن سلوك الإنسان محدد منذ لحظة ولادته، فإذا كان الأمر كذلك، فهل نستطيع أن تغير السلوك الحقيقة هو أن البحوث العلمية توضح أن معظم المظاهر السلوكية التي يبديها الإنسان، هي مظاهر مكتسبة يتعلمها الفرد من خلال تفاعله مع بیئته.

فالإنسان يسلك بمعنى أنه يصدر عنه نشاطات وأفعال معينة، وهذه النشاطات والأفعال يكون لها آثار تحدد البيئة نتانجها والنتائج البيئية تحدث وفق احتمالات وظروف محددة، فبعض الأنماط السلوكية يترتب عليه نتائج بيئية إيجابية فيقوى، وبعضها الآخر ينجم عنه نتائج بيئية سلبية فيضعف.

ولعل نظرة متفحصة إلى حياتنا اليومية تكفي لإيضاح حقيقة أن استمرارنا في أداء سلوك معين وتوقفنا عن أداء سلوك آخر أمر تقرره نتائج السلوك، فإذا أصيب شخص بصداع فتناول حبة أسبرین فانتهى الصداع، فإن احتمال تتناول هذا الشخص للأسبرين سيزداد في المستقبل.

أما إذا وجد الشخص من خلال الخبرة أن حية الأسبرين لا تنتهي الصداع، فعلی الأغلب أن تناوله للأسبرين سيقلل بل وربما يتوقف کاملاً، وبالمثل، فإذا قام الطفل بتعليق ملابسه في المكان المناسب، فأثنى عليه والداه أو جعل إمكانية حصوله على الأشياء التي بحبها متوقفة على تعليق للملابس في المكان المناسب.

فإن تأدية هذا الطفل لذلك السلوك في المستقبل ستزداد، أما إذا وجد الطفل أن النتائج واحدة، سواء علق ملابسه أو لم يعلقها، فعلی الأغلب أنه لن يكترث كثيراً أين بضع ملابسه، ومعظم سلوكات الإنسان تخضع لهذا القانون.

فكم هم الطلبة الذين سيستمرون في الدراسة إذا ألغيت الامتحانات والشهادات، وكم هم الموظفون الذين سيستمرون في عملهم إذا توقفت الشركات عن إعطائهم رواتب؟ وكم هم أساتذة الجامعات الذين سيستمرون بإجراء البحوث العلمية إذا لم تعد البحوث شرطاً من شروط الترفيع.

وإذا كان المعلم يسمح للطالب الذي يجيب بصوت عال دون أن يرفع يده مستئذناً أن يجيب عن الأسئلة، فلماذا يهتم هذا الطالب برفع يده وينتظر دوره بهدوء؟ وإذا لم يطلب المعلم من الطالب الذي يرفع يده ويجلس بهدوء أن يجيب عن الأسئلة، فإلى متى يستمر الطالب برفع يده.

وبالمثل إن عمل الأشياء نيابة عن الطفل الاتكالي سيزيد من اتكاليته، والطفل الذي يحصل على ما پريد من خلال الاعتداء على الأطفال الآخرين سيستمر في العدوان، ومناقشة الطفل المعروف بسلبيته والانتباه إليه سيعملان على ترسيخ الأنماط السلوكية السلبية لديه.

وإعطاء الطفل المعروف بعناده وكثرة إلحاحه ما يصر عليه، سيزيد من إلحاحه، وهكذا على أية حال، فالإنسان يتفاعل مع بيئته باستمرار، وإذا ما ركزنا على أثر البيئة على سلوك الإنسان، فهذا يجب أن لا يفهم على أنه تجاهل لتأثير الإنسان على بيئته.

ومن ناحية أخرى فإن تأكدينا على الدور الحاسم لنتائج السلوك، لا يعني تجاهل المثيرات السابقة للسلوك أو الخبرات السابقة للفرد، ولكن السؤال الذي يطرحه معدل السلوك هو، ماذا يستطيع عالم النفس أن يفعل بجينات الفرد أو بخبراته السابقة؟ إنه ببساطة لا يستطيع تغييرها أو إزالتها.

ماذا يتضمن تعديل السلوك؟

يتضمن تعديل السلوك تنظيم الظروف البيئية الحالية، فتعديل السلوك يهتم بالحاضر والمستقبل لا بالماضي، وهو بذلك يختلف اختلافاً جوهرياً عن نظريات علم النفس التقليدية التي تهتم بدراسة الخبرات الماضية، ويخاصة خبرات الطفولة المبكرة بشيء من التفصيل.

والسبب وراء ذلك اعتقاد هؤلاء العلماء بأن ذلك يحد ذاته ليس له وظائف علاجية، وفي هذا الصدد يبرز تساؤلان أساسيان، أولهما يتعلق بمصداقية حديث الفرد، وتذكره لخبراته الماضية وثانيهما: يتعلق بفائدة ذلك علاجياً.

فحتى لو اتصف حديث الفرد من خبراته بالمصداقية فهل تذكره بعود بفائدة حقاً، إن كثيراً من الناس لديهم مشكلات نجمت عن خبرات نفسية صعبة، وهم يتذكرون تلك الخبرات ويدركونها بأدق التفاصيل، فلماذا لا يعمل تبصرهم ومعرفتهم لأسباب المشكلة على التخلص منها.

لهذا فإن منحى تعديل السلوك لا يهتم كثيراً بالاستبصار كاسلوب علاجي، ولكن التركيز على الحاضر؛ لأن استمرار المشكلة في الحاضر يعني أن ثمة عوامل حالية تجعلها تستمر بالحدث.


شارك المقالة: