يقول الله وتعالى في كتابه العزيز: “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”، فأبناؤنا هم من النِّعم التي أنعمها الله تعالى على الإنسان، فالأبناء هم أمانة في أعناق الآباء وعليهم رعايتهم؛ لكن من المؤسف أنَّ هناك بعض الآباء الذين يميزون بين أطفالهم، ويُفرِّقون فيما بينهم في إعطاء الحب والتعامل والرعاية والاهتمام؛ فمن المهم معرفة السبب الذي يجعل الوالدين يقومون بالتمييز بين الأبناء، فهناك آثار تترتب على سلوك الأبناء جراء ذلك وينبغي إيجاد حلول لهذه المشكلة.
التمييز في التعامل مع الأبناء
الأسرة المكونة من عدد قليل من الأفراد هي بمثابة مجتمع صغير، ويقوم الوالدان بإدارة شؤون هذا السكن الصغير؛ نظرًا لأن إدارة أي شيء ما غير ممكن بدون العدالة والمساواة، فإن إدارة الأسرة المعيشية غير ممكنة بدون هذه العوامل المصاحبة؛ وهي العدل والمساواة للجميع.
إن رفض الشخص ذاته ورفض الحب والمودة من الآخرين والوحدة ورفض تكوين علاقات مع الآخرين ليس من الممكن في بيئة يسودها العدل والمساواة، وبهذا الجو من العدل بين الأبناء سوف يحصل الأطفال على تربية سليمة؛ وسوف نجد الصفات تتأصل للأطفال وسيتعلمون أن يكونوا عادلين ومنصفين من المثال الذي قدمه لهم آباؤهم، وإذا كان الوالدان يجهلان الحاجة إلى العدالة واللعب النزيه، فسيكون كذلك أطفالهما مثلهما.
ويجب أن يعامل الآباء المنصفون والعادلون جميع أطفالهم على قدم المساواة، لا يظهرون تفضيلًا معينًا لأي طفل معين سواء كان ابنًا أو ابنة، جميل أو ليس جميل جدًا، قادر أو متواضع؛ فلدى الوالدين نفس مشاعر الحب والعاطفة تجاههم جميعًا يعاملون جميع أطفالهم معاملة عادلة.
هذا يندرج في العدل والمساواة بين الأبناء جميعاً، وبين الأبناء الذكور مع الإناث فالأنثى لها حقوق وواجبات مثل الذكر في الإسلام، ويجب عدم التمييز والتفرقة بين الأبناء على نوع المولود.
عن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: “جَاءَتني مِسْكِينَةٌ تَحْمِل ابْنَتَيْن لَهَا، فَأَطعمتُهَا ثَلاثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلى فِيها تَمْرةً لتَأكُلهَا، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُريدُ أَنْ تأْكُلهَا بيْنهُمَا، فأَعْجبني شَأْنها، فَذَكرْتُ الَّذي صنعَتْ لرسولِ اللَّه ﷺ فَقَالَ: إنَّ اللَّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجنَّةَ، أَو أَعْتقَها بِهَا من النَّارِ” رواه مسلم.
وإذا عامل الوالدان أطفالهما بشكل غير عادل بطريقة جزئية؛ فسوف يتركون انطباعًا ضارًا جدًا عليهم، سيتبع الأطفال الموقف غير العادل للوالدين ويتصرفون بنفس الطريقة مع الآخرين، ومع مرور الوقت سيصبح هذا الموقف جزءًا من طبيعتهم.
آثار التفرقة بين الأبناء
إن الأطفال الذين وقعوا ضحايا الظلم من آبائهم سيحملون حقدًا عليهم في عقولهم، فمن الممكن أن يصبحوا متمردين وعاصين، مع علاج الظلم والتحيز هناك فرصة للغيرة والعداوة بين الإخوة والأخوات وقد تصل إلى حد إيذاء بعضهم البعض في بعض الأحيان، الأطفال الذين عوملوا معاملة غير عادلة على أيدي آبائهم سوف ينتابهم شعور بالاكتئاب والاضطهاد الذي سيغرس في أذهانهم، ومن الممكن تمامًا أن يصابوا لاحقًا باضطرابات نفسية، سيكون الوالدان مسؤولين عن جميع عواقب المعاملة الجزئية والظالمة التي يتعرض لها أطفالهم.
لكن على الوالدين بكل إنصاف التعامل مع جميع أطفالهم معاملة عادلة، وتختلف متطلبات الأطفال باختلاف أعمارهم؛ نظرًا لأنهم يولدون في أوقات مختلفة ومن جنسين مختلفين، فقد لا تكون لديهم متطلبات مماثلة طوال الوقت.
إن قانون العدل والمساواة أيضًا ليس صارمًا بشأن المساواة في المعاملة في مثل هذه الظروف المختلفة، هل سيكون من الصواب رفع الطفل الأكبر في حضنك كما تفعل مع طفل في المهد؟
وكذلك هل من الصواب إعطاء نفس المبلغ من مصروف الجيب لطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات كما يُمنح لأخيه البالغ من العمر ثمانية عشر عامًا، هل يمكن منح الابنة نفس حرية الحركة الممنوحة للابن البالغ؟ النزاهة والعدالة لا يوافقان على مثل هذه التنازلات واغلب المجتمع أيضًا لا يوصي بها، يجب على الوالدين تبني معايير معاملة عادلة وعادلة لأطفالهم، بحيث لا تثير مشاعر التحيز لدى البعض منهم وقد تم تناول هذا الأمر بمواضع كثيرة في باب الغيرة لأهمية العدل بين الأبناء.
إن الدين الإسلامي الحنيف دعا إلى العدل بين الأبناء وعدم التفرقة والتمييز بينهن لما له آثار على علاقة الأخوة ببعضهم بعضا؛ فهو يولد الكره والحقد بينهم، ويولد كره الأبناء لوالديهم.