إنّ الحتمية تدل على الإيمان بحتمية السببية، أي كل ما يحدث هو الشيء الوحيد الممكن الذي يمكن أن يحدث، إن سلاسل وشبكات الأسباب قوية جداً ولا سهولة فيها لدرجة أن كل نتيجة لا مفر منها، نحن محبوسون بالفعل في كل شيء آخر سيحدث في مستقبل الكون بأكمله، إذا كان الشخص يعرف كل المبادئ السببية ولديه معلومات كافية عن الحاضر، يمكنه التنبؤ بالمستقبل بدقة، كانت الحتمية موقفً فلسفي لمئات السنين، كما كانت قضية متنازع عليها بشدة. على الرغم من أن فلسفات الحتميين الفرديين قد تختلف؛ إلا أن الحتمية كانت عادة فلسفة محافظة.
الحتمية البيولوجية في علم النفس البيولوجي:
يمكن تعريف الحتمية البيولوجية في علم النفس البيولوجي والتي يشار إليها بإسم الحتمية الجينية؛ هي النظرية القائلة بأن خصائص الفرد وسلوكه يتم تحديدها بشكل حصري من خلال العوامل البيولوجية؛ بالإضافة إلى ذلك لا تلعب العوامل البيئية والاجتماعية والثقافية دور في تشكيل الفرد وهذا وفقاً لنظرية الحتمية البيولوجية.
تشير الحتمية البيولوجية إلى أن الظروف التي تتباين لمجموعات مختلفة في المجتمع، بما في ذلك العرق والجنس والطبقات العديد من التوجهات الجنسية؛ فطرية ومحددة في القدم عن طريق علم الأحياء، نتيجة لذلك تم استخدام الحتمية البيولوجية لتبرير تفوق البيض والتمييز بين الجنسين وغيرها من التحيزات ضد مجموعات من الناس؛ اليوم تمّ تشويه النظرية علمياً، في بعض الأبحاث التي صدرت عام 1981 والتي تدحض الحتمية البيولوجية في عدم قياس الإنسان.
أكد عالم النفس التطوري ستيفن جاي جولد أن الباحثين الذين وجدوا أدلة على الحتمية البيولوجية قد تأثروا على الأرجح بتحيزاتهم الخاصة، مع ذلك لا تزال الحتمية البيولوجية تبرز رأسها في المناقشات الحالية حول القضايا الساخنة مثل التصنيف العرقي والتوجه الجنسي والمساواة بين الجنسين والهجرة، يستمر العديد من العلماء في دعم الحتمية البيولوجية لتقديم أفكار حول الذكاء والعدوان البشري والاختلافات العرقية والإثنية والأجناس.
تاريخ الحتمية البيولوجية:
تعود جذور الحتمية البيولوجية إلى العصور القديمة؛ حيث ادعى الفيلسوف اليوناني أرسطو قبل الميلاد أن التمييز بين الحكام والمحكومين واضح عند الولادة، مع ذلك لم يكن حتى القرن الثامن عشر حيث أصبحت الحتمية البيولوجية أكثر بروز، خاصة بين أولئك الذين يرغبون في تبرير المعاملة غير المتكافئة للمجموعات العرقية المختلفة، كان العالم السويدي كارولوس لينيوس أول من قسم وصنف الجنس البشري عام 1735 وسرعان ما اتبع كثيرون آخرون هذا الاتجاه، في ذلك الوقت كانت تأكيدات الحتمية البيولوجية تستند في الأساس إلى أفكار حول علم الوراثة.
مع ذلك فإن الأدوات اللازمة لدراسة الوراثة بشكل مباشر لم تكن متاحة بعد، لذلك فإن السمات المادية مثل زاوية الوجه وحجم الجمجمة كانت مرتبطة بسمات داخلية مختلفة، مثلاً في دراسة أجراها Crania Americana عام 1839 درس صامويل مورتون أكثر من 800 جمجمة في محاولة لإثبات التفوق الطبيعي للقوقازيين على الأجناس الأخرى، هذا البحث الذي سعى إلى تأسيس التسلسل الهرمي العرقي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تم فضحه منذ ذلك الحين.
مع ذلك استمر التلاعب ببعض النتائج العلمية لدعم التأكيدات حول الاختلافات العرقية؛ مثل أفكار تشارلز داروين حول الانتقاء الطبيعي، بينما أشار داروين في وقت ما إلى السلالات المتحضرة والوحشية في أصل الأنواع، لم يكن جزء رئيسي من حجته أن الانتقاء الطبيعي أدى إلى تمايز البشر عن الحيوانات الأخرى، مع ذلك فقد تم استخدام أفكاره كأساس للداروينية الاجتماعية التي جادلت بأن الانتقاء الطبيعي كان يحدث بين الأجناس البشرية المختلفة، كما أنّ البقاء للأصلح يبرر الفصل العنصري والتفوق الأبيض، تم استخدام هذا التفكير لدعم العديد من السياسات العنصرية والتي كان ينظر إليها على أنها امتداد بسيط للقانون الطبيعي.
بحلول بداية القرن العشرين قللت الحتمية البيولوجية من أي سمات غير مرغوب فيها للجينات المعيبة، كما شملت هذه الحالات الجسدية ؛ مثل الحنك المشقوق والقدم الحنفاء وكذلك السلوكيات غير المقبولة اجتماعياً والقضايا النفسية؛ مثل الإجرام والإعاقة الذهنية والاضطراب ثنائي القطب، لن تكتمل أي نظرة عامة على الحتمية البيولوجية دون مناقشة واحدة من أكثر الحركات شهرة؛ وهو علم تحسين النسل، ابتدأ فرانسيس غالتون وهو عالم طبيعي بريطاني المصطلح في عام 1883، مثل الداروينيين الاجتماعيين؛ حيث تأثرت أفكاره بنظرية الانتقاء الطبيعي.
مع ذلك بينما كان الداروينيون الاجتماعيون مستعدين لانتظار البقاء للأصلح للقيام بعمله، أراد علماء تحسين النسل دفع العملية إلى الأمام، على سبيل المثال دافع جالتون عن التخطيط للتكاثر بين السلالات المرغوبة ومنع التكاثر بين السلالات غير المرغوب فيها، يعتقد علماء النفس البيولوجي أن انتشار العيوب الجينية وخاصة الإعاقات الذهنية، هو المسؤول عن جميع العلل الاجتماعية، في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي استخدمت الحركة اختبارات معدل الذكاء لفرز الأشخاص إلى فئات فكرية، مع تصنيف الأشخاص الذين سجلوا درجات أقل من المتوسط بقليل بأنهم معاقين وراثياً.
كان علم تحسين النسل ناجح لدرجة أنه في عشرينيات القرن الماضي بدأت الولايات الأمريكية في تبني قوانين التعقيم. في النهاية، كان لدى أكثر من نصف الولايات قانون تعقيم على الكتب، فرضت هذه القوانين أن الأشخاص الذين تم الإعلان عن أنهم غير لائقين وراثياً في المؤسسات يجب أن يخضعوا للتعقيم الإجباري، بحلول سبعينيات القرن الماضي، تم تعقيم آلاف المواطنين الأمريكيين قسراً وتعرض أولئك الموجودون في بلدان أخرى لمعاملة مماثلة.
الحتمية البيولوجية ومعدل الذكاء:
بينما يتم الآن انتقاد علم تحسين النسل على أسس أخلاقية وأخلاقية، يستمر الاهتمام بخلق رابط بين الذكاء والحتمية البيولوجية؛ على سبيل المثال في عام 2013 كانت جينومات الأفراد ذوي الذكاء العالي قيد الدراسة في الصين كوسيلة لتحديد الأساس الجيني للذكاء، كانت الفكرة من وراء الدراسة هي أن الذكاء يجب أن يتم توريثه وبالتالي يجب أن يتم تأسيسه عند الولادة، مع ذلك لم تظهر أي دراسات علمية أن جينات معينة تؤدي إلى درجة معينة من الذكاء.
في الواقع عندما يتم إثبات وجود علاقة بين الجينات ومعدل الذكاء، فإن التأثير يقتصر على مجرد نقطة أو نقطتين في معدل الذكاء، من ناحية أخرى فقد ثبت أن بيئة الفرد بما في ذلك جودة التعليم، تؤثر على معدل الذكاء بمقدار 10 نقاط أو أكثر، كما تم تطبيق الحتمية البيولوجية على الأفكار المتعلقة بالجنس والنوع؛ لا سيما كوسيلة لإنكار حقوق معينة للمرأة، على سبيل المثال في عام 1889 ادعى باتريك جيديس وجيه آرثر طومسون أن حالة التمثيل الغذائي كانت مصدر لصفات مختلفة لدى الرجال والنساء، قيل أن النساء يحافظن على الطاقة بينما يستهلك الرجال الطاقة؛ نتيجة لذلك فإن المرأة سلبية ومحافظة وتفتقر إلى الاهتمام بالسياسة.