لا توجد صيغة ثابتة للعطاء، فمفهوم التبرّع أو التصدّق موجود في جميع الأديان منذ القدم، ويعود قدر المال المتصدّق به إلى رغبة كلّ فرد وما يمليه عليه ضميره، وأياً كانت القاعدة أو السبب، فإنّ منبع العطاء الحقيقي هو القلب، امّا عطاء النفس فهو أمر مختلف تماماً فهو نابع من الذات وهو يمثّل جزئنا الحقيقي، “إنك إذا أعطيت من ممتلكاتك فإنما تعطي القليل، ولن يكون العطاء حقاً إلا عندما تعطي من نفسك” خليل جبران”.
النفس هي الجزء الصعب من العطاء:
هناك دوماً من هو بحاجة إلى المال أكثر منا، ولدينا مسؤولية أخلاقية تتطلّب منّا أن نساعد بقدر ما أمكننا، ونحن لا نقصد هنا بأن نكون أغبياء فنقوم على تفريق أموالنا دون تمييز، بل أن نبحث عن فرص مساعدة للغير، فهذا يعود بالنفع على الآخذ والمعطي معاً، أما عندما يتعلّق العطاء بالنفس فهو أمر عاطفي حقيقي قد يكلّفنا حياتنا لنصرة شخص أو قضية أو محتاج ما.
من السهل أن نفهم معنى أن نهب شيئاً ما من متاع أو دم أو مال، إلا أنّ العطاء من الذات ليس على هذا الوضوح لدى الجميع، فما معناه؟ وكيف نقوم به؟ فالعطاء من الذات هو قيامنا بما يساعد الغير بأفضل صورة ممكنة ودون انتظار مقابل.
العطاء يزيد من شعورنا بإنسانيتنا:
قد يكون هذا العطاء مادياً أو وجدانياً أو اجتماعياً أو روحانياً، وهذه المساعدة تمثّل اعتياداً فاضلاً بحتاً، ولا تنطوي على دوافع منفعة للذات، ولا ينتظر مقابل عليها، فمنبعها طيبة القلوب، فنحن نهب من ذاتنا لكوننا نعلم بفضل أن يساعدنا الغير دونما أية مصلحة أو منفعة مرجوّة، فنحن نعطي من ذاتنا لكوننا نعتمد على بعضنا البعض، كما وأن هذا يجعلنا نشعر بإنسانيتنا.
العطاء من الذات هو أن نقوم بمنح غيرنا شيء نحتاجه، ولكن حاجة غيرنا الملحّة هي من دعتنا إلى ذلك، فقد قابلنا الكثير من الأشخاص الذين قاموا بالتبرّع بإحدى الكليتين لقريب أو زوج أو زوجة لحاجة الآخر إليها، وهذه من أسمى أنواع العطاء، كما وقد تقع أعيننا أحيانا على بعض الخيرين الذين يقدّمون كامل مالهم لمساعدة شعوبهم في النكبات والحروب والكوارث الطبيعية، فالعطاء شيء يسمو بنا إلى عالم يتمثّل بحياة فاضلة بعيدة عن الحقد والكراهية والتفكير فقط بالذات.