العقلية الثابتة في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


قدمت الأستاذة كارول دويك بعض النتائج من بحثها حول العقليات الثابتة مقابل العقلية النامية، فللعقليات دور حاسم في ما يستطيع الناس تحقيقه، حيث يعتقد الأفراد ذوو العقليات الثابتة أن القدرات المعرفية والجسدية والمهارات والخصائص المختلفة مثل الذكاء تكون دائمة، في حين يعتقد أصحاب العقليات النامية أنه يمكن تطويرها، ويشعر الأشخاص الذين يتمتعون بهذه العقلية بالثقة في السعي وراء أهداف طموحة وهم أقل إحباطًا من النكسات، كما أنهم يتعاونون بسهولة أكبر ويعتقدون ليس فقط أنه يمكنهم التغيير والتطور لتحقيق أهدافهم المرجوة، ولكن يمكن للآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه على قدم المساواة بغض النظر عن ماضيهم.

العقلية الثابتة في علم النفس

العقلية الثابتة في علم النفس هي طريقة لتفكير الفرد في ذكائه وقدراته، على وجه التحديد يصف عرض ذكاء الفرد وقدراته على أنها فطرية وغير قابلة للتغيير، عند مواجهة مهمة تبدو صعبة للغاية قد يفكر شخص ما لديه عقلية ثابتة أنه لا توجد طريقة للقيام بذلك، فلماذا يتعب نفسه بالمحاولة؟ هذه العقلية تركز بشكل كبير على النتائج بدلاً من النظر إلى الإخفاقات على أنها تجارب تعليمية.

حيث سيشعر الشخص الذي لديه عقلية ثابتة أن العمل الجاد، عندما لا يسفر عن نتيجة مباشرة، كان كل شيء بلا مقابل، وقد تكون نجاحاتهم وإخفاقاتهم أيضًا جزءًا مهمًا من كيفية تعريفهم لأنفسهم، مما يعني أنهم قد يتجنبون المخاطرة حتى لا يجعلوا أنفسهم يبدون سيئين في حالة فشلهم.

العقلية الثابتة في علم النفس هي أحد أطراف طيف طريقة تفكير الناس في ذكائهم، ففي الطرف الآخر توجد عقلية النمو والتي تشير إلى التفكير في ذكائنا وقدراتنا على أنها قابلة للتغيير، وعقلية النمو تتعامل مع الذكاء مثل العضلات التي ستزداد قوة كلما استمر الشخص في العمل، كما أنه يركز على عملية التعلم أكثر من التركيز على النتيجة، وأنه يُنظر إلى حالات الفشل على أنها فرص لتعلم شيء ذي قيمة ولا تعتبر أي محاولة لحل المشكلات ضائعة على الإطلاق.

أظهرت الأبحاث النفسية في العقليات أن العقلية الثابتة في علم النفس أقل تكيفًا من عقلية النمو، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العقلية الثابتة تزيد من الضغط من أجل الأداء وأيضًا لأنها تقود الناس إلى الاعتقاد بأنهم يعرفون مدى قدراتهم الفكرية ومحدودة من قبلهم، لقد قيل إن إمكاناتنا غير معروفة لذلك لا ينبغي أن نستسلم لمجرد أننا نعتقد أننا لا نستطيع تحقيق شيء ما، حيث لا يمكننا معرفة ما هو قادر والتفاني والعمل الجاد، فإن مدى ما نحن قادرين عليه هو بالتأكيد عرضة للتغيير.

تاريخ العقلية الثابتة في علم النفس

ينسب الفضل لعالمة النفس الأمريكية كارول دويك في تطوير نظريات العقلية الثابتة والنامية في علم النفس، جاء إلهامها لمتابعة هذا النوع من الدراسة من تجربة كانت لها في صفها السادس في بروكلين، حيث أُجبرت الطالبات في فصلها على إجراء اختبار ذكاء محدد، والذي يحدد مسار بقية العام الدراسي، حيث تم جعلهم يجلسون بترتيب درجات الذكاء الخاصة بهم وحُرم الطلاب الذين حصلوا على أقل الدرجات من الامتيازات التي مُنحت للأطفال الذين حصلوا على أعلى الدرجات.

تتذكر أنها شعرت بضغط هائل لمواصلة الأداء على مستوى عالٍ وكانت خائفة من الحصول على درجة سيئة واحدة؛ لأنها قد تنزل بها إلى مكانة أدنى في الفصل، كانت العقلية التي روج لها مدرس الصف السادس في كارول دويك، والتي تبنتها كارول دويك وزملاؤها في الفصل هي العقلية الثابتة في علم النفس، وهي عقلية كانت تركز فقط على النتائج وتستند إلى فكرة أن الذكاء والقدرات المعرفية قد تم وضعها في حجر، وهناك شيء ما حول هذه النظرة لا يتوافق مع كارول دويك.

كانت هذه التجربة جزءًا مما ألهم كارول دويك لمتابعة أبحاث الخريجين في مجالات التحفيز والذكاء، ولقد افترضت أن العقلية الثابتة تقود الناس إلى التعامل مع المشكلات أو المهام الصعبة بحافز أقل؛ لأنهم يعتقدون أنه لا جدوى من تجربة أشياء تعتبر خارج نقاط قوتهم أو قدراتهم، هذا النقص في الدافع والجهد يؤدي إلى نتيجة سيئة أو حتى فشل، مما يعزز الاعتقاد بأنهم غير قادرين في المقام الأول.

طورت كارول دويك تدخلات للمساعدة في تعزيز عقلية النمو لدى الأطفال من أجل إعدادهم للنجاح، ومن خلال توجيههم لتطوير عقلية النمو، حيث تأمل كارول دويك في تقليل التوتر الأكاديمي وتشجيع الأطفال على الاستمتاع بالتعلم وفهم أن الإخفاقات والنكسات هي أجزاء حتمية وقيمة من الرحلة، وكانت هناك دراسة تجريبية لهذا التدخل نتائج واعدة، حيث تم تجريب التدخل لمدة ثمانية أسابيع في فصل الرياضيات بالمدرسة الإعدادية.

خلال فترة التدخل تم تعليم الطلاب عقلية النمو وكيف يمكنهم دمجها في حياتهم، بالإضافة إلى تقديم المشورة حول كيفية تحسين عاداتهم الدراسية، وتم تعيين الطلاب الآخرين في حالة تحكم، على مدار ثمانية أسابيع تم إعطاء هؤلاء الطلاب نفس نصائح الدراسة مثل الطلاب في حالة التدخل العقلي، لكنهم لم يتعلموا عن عقلية النمو، وفي نهاية الأسابيع الثمانية أظهر الطالب الذي تعلم عن طريقة التفكير تحسنًا كبيرًا في الأداء الأكاديمي، ولم يظهر هذا التأثير في الطلاب الذين تلقوا فقط النصائح حول الدراسة الفعالة.

حددت عالمة النفس الأمريكية كارول دويك مفاهيم العقليات الثابتة والنمو، وحصلت دويك على درجة الدكتوراه من جامعة ييل وهي حاليًا أستاذة علم النفس بجامعة ستانفورد، حيث كرست حياتها المهنية للبحث في العقلية، وكذلك لتطوير التدخلات لتعزيز تنمية عقلية النمو، تم تقديم بحثها في كتابها العقلية علم النفس الجديد للنجاح لعام 2006، وقد وفرت أيضًا العديد من الموارد لتعزيز عقلية النمو المتاحة على موقعها على الويب.

آثار العقلية الثابتة في علم النفس

وفقًا لبحث كارول دويك فإن العقلية الثابتة في علم النفس تحد بشكل لا يصدق، حيث إن الاعتقاد بأننا غير قادرين على القيام بشيء ما يجعلنا نكرس جهدًا أقل لإنجازه لأننا نشعر أنه لا جدوى من المحاولة، وبطبيعة الحال يؤدي هذا النقص في الجهد إلى نتائج دون المستوى، مما يعزز فكرة أن المهمة ببساطة صعبة للغاية، حيث تحافظ هذه الحلقة المفرغة على فكرة أنه لا يمكننا التحسين وأن هناك فاصلًا واضحًا للغاية بين ما يمكننا وما لا يمكننا فعله.

يخاف الأشخاص ذوو العقلية الثابتة في علم النفس من المخاطرة؛ لأنهم يخشون الفشل، ومع ذلك يمكن أن يكون الفشل تجربة تعليمية قيمة للغاية، ففي الواقع يمكن أن تكون خطوة مهمة على طريق النجاح، ويمكن أن تؤدي عقلية النمو أيضًا إلى خنق الإبداع، حيث قد تعيق رغبتنا في تجربة أساليب جديدة ومبتكرة لحل المشكلات، ويمكن للعقلية الثابتة أن تجعل التعلم عملية شاقة ومرهقة حيث يكون التركيز دائمًا على النتيجة.

كما أنه يزيد من القلق بشأن نظرة الآخرين إلينا، وأولئك منا الذين لديهم عقليات ثابتة يعرّفون أنفسنا بالنجاحات والإخفاقات ويعتقدون أن الآخرين ينظرون إلينا بهذه المصطلحات أيضًا، على هذا النحو هناك ضغط مستمر لنكون مثاليين، وإلا فقد تشوه سمعة المرء، حيث يمكن أن يكون للضغط الناجم عن ذلك تأثير سلبي على الصحة النفسية والعقلية للفرد، وعلى النقيض من ذلك يشير بحث كارول دويك إلى أن عقلية النمو أكثر فائدة بكثير، وبالتالي عملت على تطوير التدخلات والموارد التي يمكن استخدامها من قبل كل من الآباء والمعلمين لتعزيز نموها لدى الأطفال.


شارك المقالة: