تطور الفكر التربوي:
يتكون تعريف “الفكر التربوي” من كلمتين رئيسيتين، لكل منهما أهمية كبيرة في تعيين الموضوع الذي يمكننا الحديث عنه تحت هذا المفهوم، فالفكر هو ناتج عن عملية التفكير والتفكر التي يعمل بها الإنسان، وتتصور هذه النتيجة في خواطر وأيضاً آراء وتصورات ومعتقدات، يتم على أساسها أخذ ذلك الموقف، أو حتى اتخاذ القرار، وبالتالي ممارسة السلوك. والتفكر بحد ذاته مصطلح يتعدى المرور العابر لشيء معين أو أمر خاطر الذهن، ونعني بهذا درجة كبيرة من الوعي والمتابعة والمعاودة.
نشير هنا أن الفكر التربوي هو الآراء والمعتقدات والأهداف التي تسيطر الممارسات عليها والتي يكمن الهدف منها تنشئة الأبناء وتجهيزهم لمسؤوليات الحياة، وذلك بعمليات وطرق مقصودة، تكون في الأسرة، وأيضاً في المؤسسات التعليمية والتدريب والتوجيه والإرشاد والتثقيف وأيضاً التوعية في المجتمع.
بعد ما تم التعرف على مفهوم التفكير على أنّه العمليّة التي يقوم العقل بها للوصول إلى المعرفة، لا بدّ من الحديث عن التربية وعن علاقتها أيضا في الفكر وما يُسمّى أيضاً بالفكر التربويّ، فالتربية أساسها قائم على التعليم السليم للتكيّف والتخطيط وحسن التعامل والتأثر، وتعمل التربية على ابتكار سبلًا للتعامل مع المتربي في المستقبل وإيجاد الحلول المناسبة والبدائل مع الزّمن.
ويجب تطوير المقدرة على الحصول على هذه المعارف والتعليم والاستمرارية في منهج التقدّم والتطور العلمي الذي وصل إليه العالم، ويوض مفهوم الفكر التربويّ العلاقة الكبيرة التي تجمع بين الفكر والتربية التي تدلّ أيضاً على العطاء الناتج عن العقل على المستوى الفرديّ والمستوى الأمميّ والعالميّ.
ولدراسة الفكر التربويّ فائدة عظيمة للإنسان وذلك لتحقيق التكيّف مع حلّ المشاكل التي قد تواجهه، ومع التغيرات التي تحدث على حياته بشكل عام وأيضاً بشكل خاص، كذلك عند دراسة هذا النّوع من الفكر لا بدّ من اتّباع المنهج المناسب من خلال تتبّع الظروف والأحوال الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي انتشرت بشكلٍ واسع في المجتمع، إضافةً إلى وجوب التطّرق إلى الفكر الإنسانيّ الذي يقوم به.
إن البحث في تطور الفكر التربوي متعلق بالبحث في مواضيع الفكر التربوي العالمي، في ماضيه وحاضره والأمور التي يهتم بها ورؤيته والطرق التي يستخدمها وأيضاً الغرض منها، على أن ذلك الارتباط الذي يعني التقيد بتوجهات تربوية لا تسلك طبيعة المجتمع المحلي أو تعتبر غريبة عنه.
العلوم التي تتناول الفكر التربوي وتطوره:
فلسفة التربية: وهي الدراسات النقدية للفكر التربوي في أسسه، فرضياته انعكاساته على جوانب الحياة المتعددة، وتعتبر فلسفة التربية هي الدراسة الفلسفية للتربية ومشكلاتها، لكنَّها ليست موضوعا من موضوعات الفلسفة، وإنما هي موضوع من موضوعات التربية، تدرس في مؤسساتها وتناقش في أدبياتها، في موضوعها هو التربية، ولكن طرق دراستها تتصل بالفلسفة من حيث تحليل وتوضيح المفاهيم والقضايا والنظريات واللغة المستعملة في العمل التربوي فالفلاسفة لا يضعون نظريات تربوية أو اقتصادية، ولكنَّهم يحللون ما يضعون من نظريات، ويوجهون نقداً لها يؤدي إلى إلغائها، أو تعديلها، وتهتم فلسفة التربية بتحليل وتوضيح مفاهيم وأسئلة ذات مواقع مركزية في الفكر التربوي والممارسة التربوية.
علم النفس: التربية تتأثر وتؤثر في نتائج العلوم الأخرى، وسوف نقتصر عن علاقة التربية بعلم النفس عامة وعلم النفس التربوي وعلم نفس النمو خاصة، حيث يعبر علم النفس عن سلوك الأفراد لحظة تعرضهم للانفعالات، وبالتالي ما ينتج عنهم من أفعال وسلوكيات بعد أن يواجه الفرد الموقف، وتكون طريقة الاتصال بالتربية من خلال دراسة سلوك الأطفال أثناء تواجدهم في المدارس، ونتحدث هنا عن صعوبات التعلّم، وأيّ مشاكلٍ اجتماعية أخرى ممكن أن تواجههم وتؤثّر على مدى قدرتهم على الانسجام مع أفراد غيرهم، ومن ناحية أخرى فإن لعلم النفس التربوي أهمية واضحة جداً في الكشف عن مستوى ذكاء الأطفال وإبداعهم، والذي يُعدّ أمراً مهماً في التربية.
علم الاجتماع: يهتمّ وينظر علم الاجتماع بدراسة سلوك المجتمعات المتطورة، وأيضاً خصائص الظواهر الاجتماعية، والعلاقات المتبادلة بينهما، لذا يُعتبر أحد مجالات العلوم الإنسانية، كما يُعتبر أحد المرتكزات الضرورية للتربية، إذ يرتبط معها من خلال دراسته للعديد من المسائل الاجتماعية والثقافية، وقد اجتمعا معاً في علم الاجتماع التربوي الذي يهتمّ بدراسة النظم التربوية داخل المجتمعات المختلفة، والتي تهدف إلى توضيح علاقة الأفراد مع مجتمعاتهم، وطرق التفاعل بينهم.
علم الإنسان: يهتمّ وينظر علم الإنسان بالبحث والدراسة في مجال الأجناس البشرية، وأيضاً ثقافاتهم المختلفة، كما يهتمّ بدراسة سلوك الإنسان البدائيّ، وأيضاً يهتم بمبدأ المقارنة بين المجتمعات البدائيّة والبسيطة، لذا فهو يرتبط بالتربية بشكلٍ عميق؛ وذلك لأنه يعد أحد العلوم الإنسانيّة، إذ أنه يرتبط معها بالكثير من المسائل التي لها صلة بدراسة عادات الناس، وتقاليدهم، وسبل حياتهم، وغيرها من المسائل، فالتربية تمكِّن الناس من التكيُّف للعيش ضمن مجتمعاتهم التي ينتمون إليها، ولذلك لا يمكن فصل التربية عن علم الإنسان.