تاريخ علم النفس التنموي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر نمو الإنسان الشغل الشاغل للعديد من التخصصات بما في ذلك علم الأحياء وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتعليم والطب، إضافة إلى ذلك يتقاطع الموضوع عبر الدول والثقافات مما يضيف إلى تنوع الموضوع والنهج، يهتم علم النفس التنموي بالثبات والتغيير في الأداء النفسي على مدى الحياة، نشأ هذا العلم بعد فترة وجيزة من ظهور علم النفس العلمي في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر، كانت أسلافه مختلفة عن تلك التي أدت إلى تأسيس علم النفس التجريبي.
كان علم النفس التنموي في السنوات الأولى مهتم في المقام الأول بنمو الأطفال والمراهقين، في وقت لاحق بدأ نمو البالغين والشيخوخة يأخذون أهمية أكبر، ثم بدأ علم النفس التنموي كعلم ارتباط يركز على الملاحظة وليس على التجريب.

تاريخ علم النفس التنموي:

من منظور فلسفي يعتبر جون لوك وجان جاك روسو نقطتي البداية المعتادة للمناقشات الغربية حول التنمية، يعتبر لوك أبو نظرية التعلم الحديثة، كان الطفل عبارة عن لوحة بيضاء أو لوحة بيضاء تكتب عليها التجربة، كان دور لوك ومنظري التعلم في وقت لاحق هو التأكيد على دور البيئة في التنمية، في الغالب يُعرف روسو بأنّه والد علم النفس التنموي الكلاسيكي، في كتابه ((Emile (1762) دافع عن وجهة نظر أكدت على الظهور الطبيعي للطفل وفق مخطط فطري، كان من أوائل الذين جادلوا بأنّ التطور حدث من خلال مراحل.

السير الذاتية للأطفال:

يمكن العثور على المحاولات المبكرة لفهم التطور في السير الذاتية للأطفال، هي حسابات وصفية للأطفال يكتبها عادةً أحد الوالدين وغالبًا ما تكون متحيزة، الفيلسوف الألماني ديتريش تيدمان يُنسب إليه إنشاء أول سيرة ذاتية للطفل عام 1787، لكن كان هناك القليل من المتابعة لعمله بعد ما يقرب من 100 عام، احتفظ عالم الأحياء الألماني فيلهلم بريير (1841-1897) بسرد مفصل عن التطور العقلي لابنه خلال سنواته الأربع الأولى.
نشر بريير النتائج باسم (عقل الطفل) عام 1882 وهو عمل يُشار إليه على أنّه بداية حركة علم نفس الطفل الحديث، كانت أشهر سيرة للأطفال هي مجموعة ملاحظات عن ابنة أخت ميليسنت شين بين عامي 1858 و1940، التي بدأت في عام 1890، نُشرت نسخة شهيرة في اللاحق بإسم سيرة طفل (1900).

تأثير داروين في علم نفس النمو:

كانت نظرية التطور التي وردت في أصل الأنواع عام 1859 لتشارلز داروين نقطة البداية للعديد من علماء النفس التنموي الغربيين والأوروبيين والأمريكيين، إضافة لذلك أصبح تركيز داروين على الفروق الفردية والتكيف مكونات مهمة في علم النفس التنموي، استوحى عالم الفسيولوجيا الألماني فيلهلم بريير من داروين، فكان بدوره مصدر إلهام لعلماء التنمية الأوروبيين الآخرين بما في ذلك كارل بوهلر وشارلوت بولر وويليام ستيرن، أدى نهج داروين كذلك إلى المدرسة الأخلاقية للتنمية، التي تشمل أعمال كونراد لورينز ونيكو تينبرجن.
يعد البحث والكتابة لجون بولبي وماري أينسوورث حول الخسارة والتعلق، من التعبيرات اللاحقة لهذه المدرسة؛ في الآونة الأخيرة ظهر النهج القائم على الداروينية وهو “علم النفس التطوري”، من بين الرواد الذين تأثروا بشدة بداروين هو ستانلي هول؛ حد علماء النفس الأوائل وجيمس مارك بالدوين وهو رائد في علم النفس، تم اشتقاق نهج هول الرئيسي في التنمية، نظرية التلخيص من داروين من خلال عالم الأحياء الألماني إرنست هيجل، ثم تم ربط نهج بالدوين بنظريات كل من جان بياجيه وليف فيجوتسكي.

حركة دراسة الطفل:

من بين القوى السياقية العديدة التي ساهمت في ظهور علم النفس التنموي، كانت حركة دراسة الطفل هي الأكثر أهمية وهذه الحركة التي ظهرت خلال الجزء الأخير من القرن التاسع عشر، ركزت على رفاهية الأطفال وساعدت من بين أمور أخرى على إصدار القوانين التي تنظم عمل الأطفال والتعليم الإلزامي، فقد تولى قيادتها ستانلي هول، ربط هول بين علم النفس الحديث والحركة، كما وعد بفهم الطفل علميًا، فأصبح نهج حاز على إعجاب العديد من المجموعات ولا سيما التربويين، كما نشر سلسلة من دراسات الاستبيان التي بالرغم من عيوبها، حاولت وضع معايير للأطفال في مجموعة متنوعة من المجالات.
في عام 1891 نشر هول أول مجلة لعلم نفس النمو، التي أعيدت تسميتها لاحقاً باسم مجلة علم النفس الجيني (كانت كلمة الوراثة في هذه السنوات الأولى مرادفة للتنمية). كما هر كتاب المراهقة عام 1904، هو كتاب من مجلدين أحيا كلمة قديمة وقدم نظرية للتنمية أوسع ممّا اقترحه العنوان، فبعد هذه الجهود المبذولة لهول؛ تم تحديده على أنّه أب علم النفس التنموي الأمريكي.

أهم رواد علم نفس النمو:

  • جون ديوي (1859-1952): أمريكي الجنسية وقد اشتهر بإسهاماته في الفلسفة والتعليم، لكنّه كتب كذلك عن قضايا تنموية، على عكس العديد من معاصريه الأمريكيين، كان لنظريته تركيز سياقي تمت مقارنته أحيانًا بنظرة فيجوتسكي، ركز على التعليم؛ لأنّه كان يعتقد أنّه سيضع جدول أعمال للتنمية، أسس مدرسة معملية في جامعة شيكاغو لمراقبة الأطفال وتجريبهم في بيئة أكثر طبيعية، لا تزال بعض الأسئلة التي طرحها تُطرح حتى اليوم؛ (ما هي جوانب التنمية العالمية؟ وما هي تعبيرات الثقافة المحلية؟).
  • ألفريد بينيه (1857-1911): فرنسي الجنسية وأب اختبار الذكاء الحديث، أجرى بحث حول الوظائف المعرفية بما في ذلك الذاكرة، إضافة إلى كونه كاتب غزير الإنتاج، كان مدافع عن الإصلاح التعليمي، فقد كانت المدرسة المختبرية التجريبية التي أسسها هي الأولى في أوروبا، قدم عمل Binet في التطوير الفكري العديد من المفاهيم التي لا تزال قيد الاستخدام حتى اليوم.

  • ماريا مونتيسوري (1870-1952): معلمة إيطالية كتبت كذلك بشكل مكثف عن تنمية الطفل، تدربت كطبيبة وعملت أولاً مع الأطفال المعاقين في النمو، حققت في كتابات جان مارك إيتارد (1774-1838)، غالباً ما يرتبط عملهم ببداية التربية الخاصة وتلميذه إدوار سيغان، أصبحت العديد من التقنيات التي تعلمتها منهم فيما بعد جزء من طريقة مونتيسوري.

مناهج التحليل النفسي لعلم النفس التنموي:

لم تدخل مناهج التحليل النفسي في علم النفس الأكاديمي السائد حتى الثلاثينيات لكن تأثيرها كان عميقًا في النهاية، علاوة على ذلك؛ كان لسيغموند فرويد بين عامي 1856و 1939 تأثير على الثقافة الشعبية، فلا يضاهيه أي عالم نفس آخر، في حين أن طريقته في العلاج النفسي معروفة بشكل جيد، إلا أنّه لا يُقدر دائمًا أن نظريته هي نظرية تطور وكان أتباعه كثيرين وأنتجوا العديد من الأساليب المختلفة، كان اثنان من المتابعين المهمين هما ابنته آنا فرويد، التي أصبحت عالمة نفسية متميزة في حد ذاتها، وإريك إريكسون.
اشتهر إريكسون بكتابه الطفولة والمجتمع عام 1950، كما وصف المراحل الثمانية للإنسان أثناء قبول مفاهيم فرويد عن التطور النفسي الجنسي وناقشها في سياق ثقافي أوسع، من بين المحللين النفسيين الآخرين الذين كان لهم تأثير على علم نفس النمو، كارين هورني؛ لا سيما لعملها في علم النفس الأنثوي وتركيزها على النمو مدى الحياة وتحقيق الذات. كان كارل مبتكر نظري في تنمية الكبار والشيخوخة، كذلك طوّرت ميلاني كلاين نظرية علاقات الكائنات ومنافسة آنا فرويد، كما شددت على أول عامين من حياتها وخاصة أهمية الأم.

منظمات علم النفس التنموي:

يوجد مئات المنظمات التي تهتم بقضايا التنمية البشرية، ينتمي العديد من علماء النفس التنموي إلى جمعية علم النفس الأمريكية (APA) التي تضم أقسام مخصّصة لعلم النفس التنموي؛ كتنمية الكبار والشيخوخة وخدمات الأطفال والشباب والأسرة، تنشر APA العديد من المجلات ذات الصلة، بما في ذلك علم النفس التنموي وعلم نفس والشيخوخة، فجمعية علم النفس هي الموطن التنظيمي للعديد من علماء النفس التنمويين الأمريكيين، مع ذلك يتواجد خبراء التطوير بشكل متزايد في المنظمات المتخصّصة.
يبدو أنّ المنظرين لم يعودوا يعملون على نظرية كبرى للتنمية؛ إنهم يكتفون بتقديم نظريات مصغرة، تم إيلاء اهتمام أكبر لجميع الأعمار من التنمية بحيث تعكس عبارة التنمية بشكل أكثر دقة؛ نظراً لأنّ علماء النفس التنموي أصبحوا أكثر وعياً بأهمية السياق في التنمية، فقد أصبحوا أكثر دعاةً لتحسين هذا السياق، خصوصاً الجدال من أجل التغييرات في سياسة الحكومة، هناك وعي متزايد بأنّ القيم مهمة في التنمية وأن العلم لا يستطيع تقديم تلك القيم، بالرغم من أنّ علم النفس التنموي قد أصبح تقليدياً على البحث، فقد ظهر تخصص فرعي جديد يسمى علم النفس التنموي التطبيقي.

مراكز البحث في علم النفس التنموي:

تأسّست محطة أبحاث رعاية الطفل في ولاية أيوا بعد الحرب العالمية الأولى من خلال جهود ربة منزل في ولاية أيوا؛ وهي كورا بوسي هيليس، قالت أنه إذا كان من الممكن إجراء بحث مفيد لفهم الحيوانات، فينبغي توجيه البحث الفعال بنفس القدر إلى فهم الطفل، كانت محطة أيوا هي الأولى من بين العديد من مراكز أبحاث تنمية الطفل التي تم إنشاؤها في الولايات المتحدة، ابتداءً من عشرينيات القرن الماضي، تمّ إنشاء عدد من المعاهد من خلال جهود لورنس فرانك بأموال مقدمة من صندوق Laura Spelman Rockefeller Memorial Fund.


شارك المقالة: