علم النفس المقارن بطبيعته علم متعدد التخصصات يقع على مفترق طرق علم النفس وعلم الأحياء، لكنه كذلك مستمد من مجالات أخرى في العلوم الطبيعية والاجتماعية والمعرفية، سميت دراسة علم نفس الحيوانات بإدراك الحيوان والإدراك المقارن وتعلم الحيوان وعلم نفس الحيوان وذكاء الحيوان، هنا يتم استخدام علم النفس المقارن بالتبادل مع هذه المصطلحات، حيث يشمل جميع المجالات التي تستكشف الآليات النفسية الكامنة وراء سلوك الحيوان بما في ذلك السلوك البشري.
تحديات علم النفس المقارن في فهم الحيوان:
الهدف الأساسي لعلم النفس المقارن هو فهم العمليات المعرفية والعاطفية والتحفيزية لعقل الحيوان، كذلك كيفية إدراك الحيوانات الأخرى وكيف تتعلم وتتخذ القرارات في عوالمها؛ ذلك من الحيوانات الأليفة إلى الحيوانات الغريبة التي تم تصويرها في أفلام وثائقية عن الطبيعة، يوفر علم النفس المقارن نافذة على أذهانهم، كما يقدم منظور فريد للعقل البشري، أما جوانب علم النفس التي تشترك فيها الحيوانات، فيتم تحدي التفرد البشري باستمرار حيث نتعلم المزيد عن سيكولوجية عقول الحيوانات.
يستكشف علم النفس المقارن العديد من نفس الموضوعات مثل علم النفس البشري، من التعلم والذاكرة إلى التواصل واتخاذ القرار، يبحث المجال في عدد من الأسئلة الرئيسية على سبيل المثال؛ كيف تفهم الحيوانات العلاقات السببية في بيئاتها؟ هل يمكن للحيوانات أن تمثل تصورات ونوايا ومعتقدات الآخرين؟ هل تخطط الحيوانات للمستقبل؟ هل يمكن للحيوانات استخدام الاتصال المرجعي؟ كيف الحيوانات تتبع الوقت والعدد؟ هل تحتفظ الحيوانات بخريطة معرفية لبيئتها؟ هل تهتم الحيوانات برفاهية الآخرين؟ ما هي العوامل العاطفية والتحفيزية التي يقوم عليها سلوك الحيوان؟
لقد ولدت صعوبات التوصل إلى استنتاجات حول الآليات الداخلية نهجين عامين لدراسة الجوانب المعرفية لسلوك الحيوان، يؤكد نهج تعلم الحيوان على مبادئ التعلم العامة؛ مثل التكييف الآلي والتكيف بافلوفيان الذي تبناه هال وسبينس وتولمان وسكينر، يفحص النهج المعرفي أشكال أخرى من الإدراك مثل الإدراك والانتباه والذاكرة والتصنيف والتنقل والتوقيت والتواصل واتخاذ القرار والإدراك الاجتماعي، على الرغم من أن آليات التعلم غالباً ما تُعتبر تفسيرات أبسط، إلا أن بعض الآليات المعرفية أكثر تعقيد وتتطلب كائن لتوليد تمثيل عقلي.
الفروقات الفردية:
السمة المميزة للبيانات في علم النفس المقارن هي التباين بين الأفراد، على الرغم من ذلك لدينا القليل من الفهم لمصادر الاختلاف في الآليات النفسية، تتنبأ النماذج التطورية بالاختلافات الفردية في السلوك، لكن القليل من النماذج تستكشف سبب اختلاف الإدراك والعاطفة بين الأفراد، يظهر عدد من الأسئلة عند تطوير الفهم النظري للاختلافات الفردية.
هل يوجد بالفعل تباين في القدرات النفسية للحيوان أم فقط في التعبير عن هذه القدرات؟ إلى أي مدى هذا الاختلاف قابل للتكيف؟ إلى أي مدى ينتج الاختلاف عن التأثيرات البيئية؟ هل هناك أسباب عامة للاختلاف في علم النفس أم أننا بحاجة إلى النظر في كل قدرة على حدة؟ يبحث الباحثون في سلوك الحيوان عن الفروق الفردية تحت عناوين شخصية الحيوان والمتلازمات السلوكية والمزاج، يجب علينا الآن توسيع دراسة التباين هذه على المستوى النفسي واستكشاف مصادر هذا الاختلاف.
إعادة المقارنة إلى علم النفس المقارن:
على الرغم من اسم المجال وأصوله،، افتقر علم النفس المقارن إلى العديد من الدراسات المقارنة خلال معظم القرن العشرين، حفنة فقط من الأنواع كانت بمثابة أحصنة عاملة في الحقل؛ الحمام والفأر وقرود المكاك، يوفر التركيز على عدد قليل من الأنواع طريقة أكثر عمق وتراكمية لفهم سيكولوجية تلك الأنواع، مع ذلك فإن هذا التقييد يحد من فهمنا الأوسع للآليات النفسية عند الحيوانات، أعرب علماء النفس المقارن عن أسفهم على هذا النقص في التنوع لعقود من الزمن، مؤخراً اختبر الباحثون عدد من الأسئلة المثيرة للاهتمام في مجموعة متنوعة من الأنواع، بدايةً من الحشرات والأخطبوطات إلى السلاحف وخراف البحر.
يجب أن نستمر في مواجهة التحدي المتمثل في تشكيل شبكة تصنيفية واسعة، توفر فهرسة قدرات الأنواع المختلفة خطوة أولى ضرورية لفهم سيكولوجية الحيوانات، مع ذلك فإن المقارنة لا تعني مجرد جمع المعلومات عن مجموعة واسعة من الأنواع؛ كما يتضمن أيضاً مقارنة نشطة بين الأنواع، كانت المقارنة الضمنية في الأيام الأولى لعلم النفس المقارن بين نوع حيواني واحد والبشر، أصبحت المقارنات أكثر وضوح مؤخراً، حيث يتم الاقتراض مباشرة من مجالات مثل علم النفس المعرفي وعلم النفس التنموي وعلم النفس الاجتماعي والاقتصاد.
عند اختبار أسئلة علم النفس البشري على الحيوانات، يجب أن نسعى جاهدين لجعل التجارب قابلة للمقارنة قدر الإمكان عبر الأنواع، تفتح المقارنة ليس فقط مع البشر ولكن عبر الأنواع الحيوانية مجموعة من الأسئلة الجديدة للتحقيق، على وجه الخصوص تسمح الطريقة المقارنة باختبار الأسئلة التطورية فيما يتعلق بالأصول والضغوط البيئية على الآليات النفسية.
هل تشترك الأنواع وثيقة الصلة نسبياً في آليات نفسية مماثلة؟ ما أنواع الضغوط التطورية التي تشكل الآليات النفسية عبر الأنواع؟ هل تلعب البيئة الاجتماعية دور خاص في تشكيل علم النفس؟ كيف يمكننا اختبار ما إذا كانت الأنواع تشترك في آليات فعلية بدلاً من مجرد قدرات نفسية عامة؟ تطرح المقارنات بين الأنواع صعوبات وتتطلب عناية كبيرة فيما يتعلق بالأنواع التي تم اختبارها والطرق التجريبية المستخدمة، مع ذلك فإن ثمار هذا العمل سوف تسفر عن رؤى قيمة في طبيعة علم نفس الحيوان.
الأهمية البيئية:
جادل سايمون بأن الدراسة الجادة للإدراك يجب أن تستكشف كلا من العقل والبيئة التي يتفاعل فيها العقل، شبه هذا بشفرتين في مقص لا يمكن أن يعمل ما لم يكن كلا الشفرتين موجود، يوفر هذا درس مهم لعلم النفس المقارن كذلك، كثيراً ما تواجه دراسات علم النفس المقارن انتقادات لبيئات المهام المصطنعة بشكل مفرط، يوفر استخدام المنبهات البسيطة في الأجهزة الفقيرة مزايا واضحة من حيث تقليل احتمالية حدوث متغيرات مربكة.
لسوء الحظ فإن هذا المكسب في الصلاحية الداخلية يأتي على حساب تقليل الصلاحية الخارجية، إن تحقيق توازن بين التحكم الدقيق في الموقف التجريبي واستنباط استجابات ذات مغزى أمر بالغ الأهمية لفهم علم نفس الحيوان، يبدأ التوازن الصحيح بطرح أسئلة ذات صلة بيئياً؛ ما هي أنواع الآليات التي تحتاجها الحيوانات للتنقل عبر عالمها المادي والاجتماعي؟
الخطوة التالية هي تطوير المحفزات التجريبية والمهام التي تستفيد من القدرات الطبيعية للحيوانات، على الرغم من أن المحفزات الاصطناعية البسيطة توفر تحكم كامل في الميزات المقدمة للمواضيع الحيوانية، إلا أن كوك يجادل بأن المزيد من المحفزات الطبيعية ذات التعقيد المتوسط يمكن أن توفر توازن معقول بين التحكم والأهمية البيئية، بالإضافة إلى ذلك هير يجادل بأنه يجب علينا النظر في البيئة الطبيعية للأنواع لتطوير المهام التجريبية المناسبة، عند وضعها في مواقف غير طبيعية، قد لا تظهر الحيوانات الآلية النفسية ذات الصلة.
على الرغم من أنه ليس من السهل إجراء التجارب الميدانية، يمكن أن توفر أكثر الظروف طبيعية لاختبار الآليات النفسية في الحيوانات، يمكن أن يؤدي تطوير المهام التي تستفيد من السلوكيات والمواقف الطبيعية إلى المزيد من الدراسات الصحيحة لعلم النفس المقارن.
النسخ المتماثل والبحث القابل للاستنساخ:
في مطلع القرن العشرين استحوذ الحصان المسمى Clever Hans على ألمانيا أولاً ثم العالم بمهاراته الحسابية المذهلة؛ للأسف كشف Pfungst الأكثر ذكاء عن الحصان من خلال إثبات أن هانز استخدم ببساطة إشارات غير مقصودة من مالكه أو غيره أثناء الاستجواب، غالباً ما تكون هذه القصة هي الحكاية التحذيرية الأولى التي يتعلمها جميع علماء النفس المقارن عند دخولهم المجال، يذكرنا أن رغبات وتحيزات المراقب يمكن أن تؤثر على الملاحظة، كما شجع المنهجيات الدقيقة للبحث في علم نفس الحيوان، مع ذلك يمكن أن يتحسن مجالنا في تعزيز التكرار والبحث القابل للتكرار.
المبدأ الأساسي لأساليب علم النفس التجريبي هو تكرار الدراسات، فهذه ممارسة شائعة في تجارب علم النفس البشري، ربما بسبب توفر مجموعة جديدة من المشاركين في كل فصل دراسي في الجامعة، يمكن لأحجام العينات الصغيرة عادةً المستخدمة في علم النفس المقارن أن تجعل النسخ المتماثل أمر صعب، مع ذلك يجب أن نشجع الممارسة العامة المتمثلة في تكرار عملنا ونشر هذه المضاعفات حتى لو أدت إلى نتائج مختلفة؛ كحل واحد لتسهيل التكرار يمكننا منح الوصول المجاني إلى الأساليب التجريبية.
قاعدة بيانات العقل المقارن تقدم محاولة منهجية للحفاظ على الوصول المجاني إلى الأساليب التجريبية في علم النفس المقارن من خلال أرشفة البروتوكولات التجريبية ومقاطع الفيديو للجلسات التجريبية، تسهل قاعدة البيانات هذه الدراسات المقارنة من خلال توحيد الإجراءات التجريبية؛ مثل أن الباحثين قد يستخدمون بروتوكولات مماثلة عبر الأنواع. بالإضافة إلى التكرار الدقيق للطرق، نحتاج إلى تكرار دراساتنا باستخدام طرق مختلفة، إن استخدام طريقة واحدة لاختبار الفرضية يمكن أن يؤدي إلى وجهة نظر متحيزة لظاهرة الاهتمام.