حتى بداية القرن العشرين كانت معظم حياة الإنسان تتم خلال سن الطفولة والمراهقة، لذلك ليس من الغريب أنّ الغالبية العظمى من التفكير والفلسفة والبحث والدراسات في نمو البشرية تركزت على هذين المجالين، مع التقدم في التغذية والطب وعلم وظائف الأعضاء وعلم النفس، نما متوسط العمر المتوقع خلال القرن العشرين بشكل أسرع من أي وقت آخر في تاريخ البشرية، في الواقع ارتفع متوسط العمر المتوقع للإنسان من 47 عام في عام 1900 ووصل إلى 77 عام في عام 2002.
تاريخ حياة الإنسان على هذا الكوكب مهم في فهم دراسة نمو الإنسان، حتى مع زيادة متوسط العمر المتوقع التي حدت من مقدار الوقت الذي يقضيه المرء في مرحلة الطفولة والمراهقة من نصف عمر الفرد إلى أقل من الربع، تقدّم معظم الكليات والجامعات في هذا البلد دروس عن علم نفس الطفل وعلم نفس المراهقين أو دروس علم نفس الأطفال والمراهقين. مع ذلك فإنّ الأعداد الأصغر تقدم دروس في مرحلة البلوغ والشيخوخة، هناك نصوص عن الطفولة والمراهقة تغطي 13 إلى 18 سنة الأولى من الحياة أكثر.
تنمية كبار السن في علم نفس النمو:
اعتقد العديد من الباحثين والفلاسفة أنّ التنمية تم تحديدها من خلال المراهقة، إضافة لذلك اعتقد الباحثون أن أي تطور حدث بعد الطفولة والمراهقة كان ضئيل في أحسن الأحوال؛ فلم يكتسب موضوع مرحلة البلوغ والشيخوخة زخم كافي لتحدي المفاهيم المذكورة أعلاه، إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين بدأ الباحثون في تحويل انتباههم إلى أهمية الحياة بعد المراهقة، أمّا اليوم يعتقد معظم الباحثين في مجال التنمية البشرية أنّ التنمية لا تتوقف بمجرد انتهاء فترة المراهقة.
أدّى شيئين إلى هذا التحول في النموذج في البحث التنموي هما؛ طفرة المواليد والقضية التنموية للاستقرار مقابل التغيير، كانت إحدى القوى الحقيقية التي دفعت الباحثين إلى البدء في التحقيق في التطور في فترة المراهقة الماضية هي شيخوخة السكان من جيل طفرة المواليد، في عام 1940 كان هناك ما يزيد قليلاً عن 9 ملايين أمريكي ممن تجاوزوا سن 65، بحلول عام 2000 ارتفع هذا العدد إلى ما يزيد عن 35 مليون، مع توقع أقل من 70 مليون شخص بحلول عام 2040، مع نمو هذا الجيل من البالغين بدأ الباحثون يدركون أهمية الشيخوخة.
يعترف الباحثون الآن بأنّ التطور يستمر طوال فترة الحياة ولا يتوقف عند المراهقة، فالقوة الرئيسية الثانية وراء تغير الزخم في التنمية هي وظيفة القضايا التنموية الرئيسية الثلاث؛ مثل الطبيعة مقابل التنشئة والاستمرارية مقابل عدم الاستمرارية والاستقرار مقابل التغيير، كانت قضية الطبيعة مقابل التنشئة مطروحة طالما ناقش الناس التنمية البشرية، فهل الناس هم بسبب الطبيعة أم بسبب التنشئة؛ اتفق الناس على أنّه من المرجح أن يكون مزيج من الاثنين.
على وجه التحديد تُحدِّد الطبيعة نطاق رد فعل للناس حتى يتصرفوا بطريقة مُسبقة على طول سلسلة متصلة محدودة، ستحدد التنشئة بعد ذلك المكان الذي يقع فيه المرء على طول هذه السلسلة المتصلة بسبب تأثير التأثير البيئي في حياته أو حياتها، تمت المسألة التنموية الثانية هي ما إذا كان التطور مستمر أو متقطع؛ مع فترات حرجة من التطور يقول أولئك الذين ينادون بالنهج المستمر أنّ التطور يحدث بالتتابع مع كل تجربة أو حدث في الحياة، يعتمد على الحدث السابق لخلق شخص كامل.
تتعلق القضية التنموية الأخيرة التي نوقشت بشدة بالاستقرار مقابل التغيير، على وجه الخصوص يكون الأشخاص دائماً هم نفس الفرد وينموون إلى عمليات الترحيل السري القديمة لأنفسهم السابقة؛ فهل يصبح الأشخاص أفراد مختلفين عن الأشخاص الذين كانوا في السابق أثناء نموهم وتنضجهم وتطورهم، إنّ مسألة الاستقرار أو التغيير هذه هي التي ساعدت في تحويل تركيز العديد من الأشخاص في مجال التنمية بعيداً عن تقييم الطفولة والمراهقة فقط إلى دراسة أهمية مرحلة البلوغ والشيخوخة، بعد كل شيء لا يمكن حل قضية الاستقرار أو التغيير على أساس ربع حياة الفرد فقط.
المناهج النظرية:
تاريخياً سيطر بعض المنظرين على مجال علم النفس؛ لذلك مجال علم النفس التنموي ليس استثناء وفي العادة ما يشير علماء النفس التنموي إلى بياجيه وفرويد وفيجوتزكي وإريكسون وآخرين مهمين في مجالهم باستثناء إريكسون ويركز معظمهم فقط على الطفولة والمراهقة.
تتكون نظرية بياجيه حول التطور المعرفي من أربع مراحل يتقدم فيها الناس مع تطور عملياتهم العقلية، مع ذلك بحلول الوقت الذي يصل فيه الناس إلى سن البلوغ، اعتقد بياجيه أنّهم قد تقدموا قدر المستطاع في تعقيد تفكيرهم وبالمثل، تؤكد نظرية التطور النفسي الجنسي لفرويد على 5 مراحل، تكون فيها شخصية الشخص البالغ نتيجة لحل النزاع خلال السنوات الـ 12 الأولى من الحياة مرة أخرى مثل بياجيه، اعتقد فرويد أنّ التنمية يحددها سن البلوغ.
ترتكز نظرية فيجوتسكي حول منطقة التنمية القريبة على تغيير الناس في المعرفة، سواء كانت موجودة (أي موزعة بين الناس في بيئتهم) أو تعاونية (أي تم تحقيقها من خلال التعاون)، مع ذلك لا يركز جميع المنظرين فقط على السنوات الأولى من التطور؛ فنظرية إريك إريكسون للتطور النفسي والاجتماعي التي يجادل فيها بأنّ التنمية هي في الأساس نتيجة للتفاعلات الاجتماعية، لها ثلاث مراحل تحدث أثناء نمو البالغين، مع ذلك فإنّ المراحل الخمس السابقة لإريكسون تحدث جميعها خلال السنوات الأولى من التطوير وتركز الغالبية العظمى من العمل على هذه المراحل.
أحد المنظرين الذي يشبه إريكسون لكنّه ركز عمله على مرحلة البلوغ؛ هو ليفنسون الذي طور مواسم حياة الرجل، تصف نظرية ليفينسون عدد من المراحل والتحولات في العمر الافتراضي الذي يتراوح من 18 إلى 75 عام، هذه النظرية مثل نظرية إريكسون، يتضمن حل أزمة من أجل التطور إلى شخص كامل، الفرق هو أن تركيز إريكسون كان على مدى الحياة بالكامل، في حين أن ليفنسون يهتم أكثر بمفهوم أزمة منتصف العمر، إضافة إلى ذلك تم العمل على توسيع نظريات بياجيه حول التطور المعرفي.
المنهجيات:
يعرف الناس مسار التطور الذي هو مرحلة البلوغ والشيخوخة من خلال استخدام طرق البحث التقليدية؛ أي الأساليب التجريبية والوصفية عند استكشاف مرحلة البلوغ والشيخوخة، مع ذلك هناك أنواع قليلة من الأبحاث أكثر ملاءمة عند استكشاف قضايا مرحلة البلوغ والشيخوخة، فإنّ طرق البحث المستخدمة لتقييم قضية التطور المتمثلة في الاستقرار مقابل التغيير هي الأكثر فائدة، تشمل هذه التصاميم الطولية والمقطعية والمتسلسلة.
النهج الطولية هي استراتيجيات تبحث في تقييم نفس الأفراد على مدار فترة زمنية، على سبيل المثال إذا أراد الباحثون تحديد ما إذا كان الذكاء مستقر أم أنّه يتغير على مدى العمر؛ فيمكنهم إجراء دراسة طولية حيث تم إجراء اختبار ذكاء لمجموعة من الأشخاص عند 20 عام، كذلك مرة أخرى عند 40 ومرة عند 60، سيُظهر هذا كيف يتغير الذكاء لنفس المجموعة من الأشخاص على مدار 40 عام، بالرغم من أنّ هذا النهج مفيد في دراسة التغيير إلا أنّه من الواضح أنّه يستغرق وقت طويل ومكلف.
تُستخدم مناهج المقطع العرضي عدة مرات بدلاً من الدراسات الطولية بسبب العيوب الموجودة ، فالدراسة المقطعية هي دراسة يدرس فيها الباحث عدد من الأشخاص في مراحل مختلفة من الحياة في نفس الوقت، لذلك إذا أراد شخص ما مرة أخرى تحديد ما إذا كان الذكاء مستقر أو أنّه يتغير على مدى العمر، فيمكن إجراء اختبار ذكاء للمجموعات المكونة من 20 و 40 و 60 عام في نفس الوقت، مع ذلك مثل النهج الطولية فإنّ هذا النهج البحثي له عيوبه، على سبيل المثال لا يمكن لنهج المقطع العرضي تحديد ما إذا كان الأفراد مستقرين في سلوكياتهم؛ لأن الباحث لا ينظر إلى نفس الفرد بل ينظر إلى مجموعة في وقت ما.
من أجل مكافحة بعض عيوب التصاميم المذكورة أعلاه يمكن للباحث استخدام مجموعة من الأساليب الطولية والمقطعية، فقد يبدأ الباحث الذي يستخدم هذا النوع من التصميم ويختبر الذكاء مرّة أخرى بأشخاص تبلغ أعمارهم 20 و 40 و 60 عام، كما يختبرهم في نفس الوقت ثم بعد عام واحد أو عامين أو أكثر من الاختبار نفس المجموعات مرّة أخرى، يحتوي هذا النهج على جميع مزايا وعيوب الأساليب المقطعية والطولية، لكنّه سيوفر معلومات لا يمكن لأيٍّ من هذه الأساليب جمعها بمفردها.
يمكن للباحثين الحصول على إجابات تتعلق بتنمية البالغين فقط باستخدام مناهج البحث هذه، إضافة إلى الاستخدام التقليدي لأساليب البحث التجريبية والوصفية، فقد أسفرت هذه الأساليب عن معلومات قيمة فيما يتعلق بالقضية التنموية المتمثلة في الاستقرار مقابل التغيير ، ووجهات نظر نظرية مختلفة ومنظرين ، بالإضافة إلى تأثير مرحلة البلوغ والشيخوخة على التنمية الجسدية والمعرفية والاجتماعية.