دراسة تحليلية للنظرية التربوية عند والدورف شتاينر

اقرأ في هذا المقال


تشير الدراسة التحليلية للنظرية التربوية عند والدورف شتاينر إلى أن التعلم أساسه تحويل التجربة والتحول، ومساهمة والدورف هي إضافة البعد الاجتماعي إلى التعلم في المدرسة وتطبيق مفهوم التعلم كمشاركة في مجتمعات الممارسة بمرور الوقت وعبر الفضاء الاجتماعي.

دراسة تحليلية للنظرية التربوية عند والدورف شتاينر

قام العديد من الباحثين التربويين بدراسة تحليلية للنظرية التربوية عند والدورف شتاينر، ووجدوا أن التعلم من منظور والدورف يتضمن ما يلي:

1- التحول، حيث التعلم يعني الخروج من النمط العقلي القائم بسبب الأزمات والتمثيلات لدينا عن العالم ويتحد بنشاط مع الواقع، كما أن التعلم يمكّن موضوع لاستعادة تكامل الذات والعالم بجعله في توازن جديد بمعنى بياجيه.

2- النسيان، بحيث لكي يتعلم المرء يجب أن ينسى، مما يعني فك الروابط الوثيقة بين أنا بتمثيلاتنا العقلية للعالم والانفتاح على العلاقات بين الأشياء والعمليات وما يجري، ويؤدي هذا إلى تعديلات في التجربة المجسدة، لذلك فإن النوم جزء من معالجة التعلم.

3- القدرات، حيث الفائدة الأساسية من التعلم للمادة هي تنمية القدرات والميول بدلاً من مجرد اكتساب وتراكم المعرفة الواقعية.

4- الشمولية، حيث يحدث التعلم من خلال المشاركة الكاملة الممكنة مع الواقع من خلال مباشرة تجربة حيثما أمكن ذلك.

5- الحقيقة، حيث التعلم كعملية لتوليد المعرفة يوحد الإنسان مع قوانين العالم وهذه العملية تجعل الإنسان قادرًا على التطور.

6- المعنى، حيث يعتبر إشراك العالم من خلال هذه القدرات أمرًا ذا صلة وذات مغزى، إذ يشير تعليم والدورف إلى التعلم باعتباره عملية أن تصبح موضوعًا أكثر خبرة وأن التعلم يتم بوساطة العملية وتعزيزها عن طريق التدريس، ويلفت الانتباه إلى العديد من الجوانب الرئيسية للتعلم:

أ- التعلم هو تعبير عن نشاط الذات الذي يشكل فرديتها الناشئة والمنفتحة، حيث التعلم هو في النهاية عملية فردية بأن يصبح المرء أكثر خبرة، وأن يصبح موضوعًا من خلال التعلم بالتجربة والذي يحدث بطرق مختلفة في التفكير والشعور والرغبة، ولأن التفكير والإرادة هما قطبان في شروط الوعي، نهج والدورف هو تثقيف كل من التفكير والإرادة بشكل غير مباشر عبر المشاعر.

وعلى الرغم من أن كيفية القيام بذلك، تختلف اختلافًا جوهريًا بين الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة وبعد البلوغ إلا إنه يتطلب أيضًا من المعلمين أن يكونوا فنيين في نهجهم بالكامل، خاصةً علم أصول التدريس باعتباره يتضمن هيكلة الفن وضبط إيقاعات التعلم بطرق تستجيب لمواصفات الموقف.

ب- الإيقاع أمر حيوي للتعلم وله العديد من الجوانب، ولكن الأهم هو تسلسل عمليات التعلم، وتم تلخيص خطوات التعلم.

ج- الخبرة الجسدية تؤدي إلى الإدراك المتجسد وهذا يسلط الضوء على الأهمية المركزية للحواس والمواجهات الملموسة مع العالم والأنشطة التي تنطوي على المهارات الحركية والبدنية.

د- إن أهمية المعلم للتعلم ليست فقط كمُشكل وملاحظ لعمليات التعلم ولكن أيضًا كممثل نشط في صنع المعنى، ويُطلب من المعلم أن يكون موثوقًا به كنموذج يحتذى به وقادر على تغيير نفسه، وذلك لمعرفة وفهم التلاميذ وإيقاظ الشعور بالثقة في التلاميذ.

ه- يؤكد خبراء التعليم على وجهة نظر شتاينر بأن التعلم عملية مستمرة تستمر مدى الحياة.

و- محتوى المنهج الدراسي وما يتم تدريسه يخضع لعملية تحول في اللحظات الحاسمة في مسار المتعلمين، ولحظات التغيير الرئيسية هذه هي من الولادة إلى سن 6 سنوات بداية تبديل الأسنان، ومن سن سبع سنوات إلى 10 سنوات وبدء البلوغ وبداية المراهقة.

ع- نهج والدورف يغير التدريس والمواد التي يتم تدريسها في هذه المراحل للتفاعل مع تطور التلاميذ، حيث يصف التعلم بأنه عملية شاملة لاستيعاب العالم وتشكيل الذات والتحول الذاتي، ويشير إلى التعلم كمسار للتمييز.

دراسة تحليلية لمفهوم الذاكرة عند والدورف شتاينر

افترض شتاينر عام (1996) في علم الأنثروبولوجيا التربوية، وجود تفاعل أساسي بين الأشخاص الذين يعيشون في الحياة وأنشطة العقل (التفكير والشعور والإرادة)، وفي هذا لديه الكثير من الأشياء المشتركة معه في مناهج الظواهر، علاوة على ذلك فهو يفترض ذات الوكيل (في الألمانية das Ich، أنا أو الذات) والجوهر الروحي للإنسان الذي يتعامل مع العقل والجسد ويعبر عنه من خلال أصل مستقل ووجود يتجاوز كليهما.

في تحليل شتاينر لوجود الإنسان، يُفهم الذات باعتبارها الجوهر الروحي للإنسان وعلى أنها فاعلة في العمليات الجسدية وداخل العقل (وما يشير إليه شتاينر باسم Seele في اللغة الإنجليزية، الروح)، ويعتقد أنه قد يتم تفسير هذه الوكالة باعتبارها مقيدة بالعديد من العوامل بما في ذلك القيود الجسدية والعقلية والاجتماعية، ويدعو إلى الحقائق الغاشمة، أي العمر والعوامل البيولوجية وظروف الحياة مثل الفقر وسوء التغذية والإجهاد، والاعتراض والحوادث والأشياء الأخرى التي لا يتحكم فيها الفرد.

فالفردية كتوقيع من الذات يتجلى في كيفية تعامل الشخص مع هذه القيود، وكيف يتعلم، ويؤسس الهويات ويتفاعل مع العالم وكيف يستجيب لفرص التعلم والتطوير، ويصف شتاينر كيف يتم حفظ ثمار التجارب الحسية بالذاكرة، في حسابه للعمليات فوق الحسية (أي ما وراء الإحساس) داخل وجود الإنسان، فالذكريات يحتفظ بها الجسد والعمليات الحية التي تشكل جسد الكائن الحي وتحافظ عليه.

ويحتفظ الجسم الحي بعمليات الحياة بالانطباعات التي تركتها تصوراته واستجابته الفورية لها، على شكل صور ذهنية ومشاعر ودوافع وإرادة، وفي كل مرة يتذكر هذه التجارب، يبني صورًا أو تمثيلات ذهنية جديدة، وعندما يُحول تركيزه وانتباهه في مكان آخر، بتم إعادة بناء لهذه التمثيلات الجديدة لتغرق مرة أخرى في اللاوعي، ومتراكبة على الذاكرة الأصلية وتغيير كيف وماذا يتذكر لاحقًا.

ولقد وصف علم الأعصاب هذا بشكل شامل كعملية بيولوجية اجتماعية تتغير من خلالها الذاكرة وتتطور بمرور الوقت، ومن منظور شتاينر الروح تترك انطباعات على الحياة والجسد يدركها أيضًا، ووصف شتاينر للتجربة مفصل بشكل ملحوظ، مع الأخذ في الاعتبار ما كان معروفًا في ذلك الوقت من الوسائل التي كان عليه أن يحقق فيها، بحيث تتشكل أعضاء الحس بوجود جسد أساس للإحساس (الجسد الواعي) والوظيفة العقلية التي تختبر هذه (الروح الواعية) كاثنين متميزين لكن الأنظمة المتكاملة تنتج وحدات من الخبرة الأولية.

وتوفر الذاكرة استمرارية الهوية والقدرة على التعلم من التجربة، ويتحدث والدورف عن ذاكرة السيرة الذاتية التي تتكون من ذكريات ضمنية لحالات متعددة من التجارب الفردية للماضي والمستقبل المتوقع، والتي يمكن إعادة تشكيلها جزئيًا لتوضيح الخبرات الجديدة.

ففي كل مرة يتم إعادة النظر في تجربة مجسدة يتم أضافة تجارب جديدة من خلال تصورات حسية جديدة ومن خلال استجابات داخلية جديدة للذكريات (على سبيل المثال من خلال التكوين للمفاهيم وتوسيع الوعي بالصلات مع التجارب الأخرى)، وعلاقة المرء بتغييرات العالم يتم توحيدها كعادة أو تصرف، ويستفيد علم أصول التدريس والدورف من هذه العملية بنشاط مع مراعاة عمليات النسيان والتذكر في طريقة تنظيم مواقف التعلم.

وفي الختام تم إجراء دراسات تحليلية من خلال نخبه من العلماء والخبراء التربويين لكل من النظرية التربوية عند والدورف شتاينر والتي تم بها الانتباه إلى العديد من الجوانب الرئيسية للتعلم، ودراسة تحليلية لمفهوم عمل الذاكرة عند والدورف شتاينر والتي أظهرت كيف يتم حفظ ثمار التجارب الحسية بالذاكرة، في حسابه للعمليات فوق الحسية.


شارك المقالة: