علم النفس البيولوجي والذكاء

اقرأ في هذا المقال


اقترح العلماء آليات بيولوجية خاصة بعلم النفس للاختلافات بين مستويات الذكاء لدى الأفراد، بحيث تتراوح من حجم الدماغ وكثافته إلى تزامن النشاط العصبي إلى الاتصال العام داخل القشرة، لكن المنظور البيولوجي الدقيق بعيد كل البعد عن الاستقرار ولا يزال التفسير البسيط للاختلافات في الذكاء بين الأفراد بعيداً عن الباحثين، لقد أصبح فهم الذكاء البشري أكثر صعوبة من خلال الجهود التي يبذلها البعض داخل وخارج المجال لإدخال مفاهيم علمية زائفة في هذا المزيج، تلوثت دراسة الذكاء أحياناً بعلم تحسين النسل والعنصرية العلمية والتمييز على أساس الجنس.

علم النفس البيولوجي والذكاء:

افترضت الدراسات المبكرة للأشخاص الذين يعانون من إصابات في الدماغ أن الفص الجبهي عنصر حيوي لحل المشكلات، في أواخر الثمانينيات قام ريتشارد هاير وزملاؤه بتصويرأدمغة الناس أثناء قيامهم بحل ألغاز التفكير المجرد والتي أدت إلى تسريع مناطق محددة في الفص الجبهي والجداري والقذالي للدماغ، كذلك التواصل فيما بينها، الفص الجبهي يرتبط بالتخطيط والاهتمام.
يفسر الفص الجداري المعلومات الحسية ويعالج الفص القذالي المعلومات المرئية وكل القدرات المفيدة في حل الألغاز، لكن المزيد من النشاط لا يعني براعة معرفية أكبر؛ كما يشير هاير الأشخاص الذين حصلوا على أعلى الدرجات في الاختبار أظهروا في الواقع أقل نشاط للدماغ، مما يشير إلى أن مدى صعوبة عمل العقل هو ما يجعل الشخص، في عام 2007 بناءً على هذه الدراسة وغيرها من دراسات التصوير العصبي، اقترح هاير وريكس يونغ نظرية التكامل الجداري الجبهي؛ ذلك بحجة أن مناطق الدماغ المحددة في دراسات هاير هي مركزية للذكاء.
لكن هاير وباحثين آخرين اكتشفوا منذ ذلك الحين أن أنماط التنشيط تختلف، حتى بين الأشخاص ذوي الذكاء المماثل، عند أداء نفس المهام العقلية وهذا يشير كما يقول إلى وجود مسارات مختلفة يمكن للدماغ استخدامها للوصول إلى نفس نقطة النهاية، أظهر الأشخاص الذين حصلوا على أعلى الدرجات في الاختبار في الواقع أقل نشاط للدماغ، مما يشير إلى أنه لم يكن مدى صعوبة عمل العقل هو ما يجعل الشخص ذكي.
يجادل البعض بأن هناك مشكلة أخرى تتعلق بتحديد مكان المقعد عن طريق تصوير الدماغ، وهي أن أدواتنا لا تزال ببساطة شديدة البساطة بحيث لا يمكنها الحصول على إجابات مرضية، فمسح هاير في ثمانينيات القرن الماضي تعقب الجلوكوز ذي العلامات الإشعاعية عبر الدماغ للحصول على صورة للنشاط الأيضي خلال نافذة مدتها 30 دقيقة في عضو تتواصل خلاياه مع بعضها البعض بترتيب أجزاء من الألف من الثانية، بينما فحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي الحديثة على الرغم من كونها أكثر دقة من الناحية الزمنية، إلا أنها تتبع فقط تدفق الدم عبر الدماغ وليس النشاط الفعلي للخلايا العصبية الفردية.

نماذج الذكاء في علم النفس البيولوجي:

إلى جانب عدم امتلاك أدوات حادة بما يكفي بدأ بعض الباحثين في التشكيك في الفرضية القائلة بأن مفتاح الذكاء يمكن رؤيته في السمات التشريحية للدماغ، يقول عالم البيولوجيا إيرل ميللر “كانت الرؤية السائدة للدماغ في القرن العشرين هي التشريح هو القدر”؛ لكن اتضح خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية أن هذا الرأي مفرط في التبسيط، بدأ الباحثون في اقتراح خصائص بديلة للدماغ يمكن أن تدعم الذكاء، كان ميلر على سبيل المثال يتتبع سلوك موجات الدماغ التي تنشأ عندما تطلق خلايا عصبية متعددة بشكل متزامن للحصول على أدلة حول معدل الذكاء.
في إحدى الدراسات الحديثة قام هو وزملاؤه بتوصيل أقطاب كهربية الدماغ برؤوس القرود التي تم تعليمها لتحرير قضيب إذا رأوا نفس تسلسل الأشياء التي رأوها قبل لحظة، اعتمدت المهمة على الذاكرة العاملة والقدرة على الوصول إلى أجزاء من المعلومات ذات الصلة وتخزينها وتسببت في اندفاعات عالية التردد وموجات منخفضة التردد، عندما لم تكن الدفقات متزامنة في النقاط المعتادة أثناء المهمة.
أصول علم النفس البيولوجي للاختلافات في الذكاء البشري غير مفهوم جيداً، لكن الأبحاث في علم النفس البيولوجي وعلم النفس والمجالات الأخرى بدأت في إعطاء نظرة ثاقبة حول ما قد يدعم هذه الاختلافات، تقترح إحدى الفرضيات المعروفة المدعومة بأدلة من عمليات مسح الدماغ ودراسات الأشخاص المصابين بآفات دماغية؛ أن الذكاء يكمن في مجموعات معينة من الخلايا العصبية في الدماغ وكثير منها يقع في قشرة الفص الجبهي والجداري، تُعرف الفرضية باسم التكامل الجبهي الجداري وتعتقد أن بنية هذه المناطق ونشاطها والصلات بينها تختلف بين الأفراد وترتبط بالأداء في المهام المعرفية.

رفع معدل الذكاء:

إن فكرة التلاعب بالذكاء مغرية ولم يكن هناك نقص في الجهود للقيام بذلك، أحد الأساليب التي كانت تحمل بعض الأمل في زيادة الذكاء هو استخدام ألعاب تدريب الدماغ من خلال الممارسة، يقوم اللاعبون بتحسين أدائهم في ألعاب الفيديو البسيطة هذه والتي تعتمد على مهارات مثل وقت رد الفعل السريع أو الحفظ على المدى القصير، لكن مراجعات العديد من الدراسات لم تجد دليل جيد على أن مثل هذه الألعاب تعزز القدرات الإدراكية الشاملة ويعتبر تدريب الدماغ من هذا النوع الآن بشكل عام بمثابة خيبة أمل .
أظهر تحفيز الدماغ عبر الجمجمة الذي يرسل نبضات كهربائية أو مغناطيسية خفيفة عبر الجمجمة، بعض الإمكانات في العقود الأخيرة لتعزيز الذكاء؛ في عام 2015 على سبيل المثال طبيب الأعصاب إميليانو سانتارنيتشيمن وزملاؤه وجدوا أن الأشخاص المشاركين حلوا الألغاز بشكل أسرع مع نوع واحد من التحفيز الحالي المتناوب عبر الجمجمة، بينما وجد التحليل التلوي لعام 2015 تأثيرات مهمة وموثوقة لنوع آخر من التحفيز الكهربائي وهو تحفيز التيار المباشر عبر الجمجمة.
في حين أن التحفيز المغناطيسي قد أسفر عن نتائج مغرية مماثلة، فإن دراسات التحفيز الكهربائي والمغناطيسي أثارت أيضاً شكوك حول فعالية هذه التقنيات، حتى الباحثون الذين يعتقدون أن بإمكانهم تحسين الأداء المعرفي يعترفون بأننا بعيدون جداً عن استخدامها سريريًاً
إن إحدى الطرق التي أثبتت جدواها والتي يعرفها الباحثون لزيادة الذكاء هي التعليم القديم الجيد، في تحليل تلوي نُشر في وقت سابق، قام فريق بقيادة عالم النفس البيولوجي بفرز العوامل المربكة من البيانات الواردة في دراسات متعددة ووجدوا أن التعليم بغض النظر عن العمر أو مستوى التعليم، يرفع معدل الذكاء بمعدل 1-5 نقاط سنوياً، يعمل الباحثون بما في ذلك عالمة النفس الإدراكي أديل دايموند، على فهم عناصر التعليم الأكثر فائدة للعقول.
ليست بيولوجيا الذكاء هي فقط الصندوق الأسود؛ لا يزال الباحثون يحاولون التفاف عقولهم حول المفهوم نفسه، في الواقع تم تحدي فكرة أن الذكاء يمثل خاصية فريدة للدماغ، في حين أن فائدة الذكاء وقوته التنبؤية كمؤشر مقبول على نطاق واسع، فإن مؤيدي النماذج البديلة يرونها كمتوسط ​​أو مجموع للقدرات المعرفية وليس سبباً.
تشير الدراسات إلى أن معدل الذكاء هو مؤشر للقوة الجماعية للمهارات المعرفية المتخصصة التي تعزز بعضها البعض، استندت النتائج إلى نتائج اختبارات المفردات والتفكير البصري لمئات من المقيمين في المملكة المتحدة في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات، من نفس الموضوعات بعد حوالي عام ونصف يقول كييفيت إنه مع وجود بيانات عن نفس الأشخاص في نقطتين زمنيتين، يمكن للباحثين فحص ما إذا كان الأداء في مهارة معرفية واحدة؛ مثل المفردات أو التفكير، كما يمكن أن يتنبأ بمعدل التحسن في مجال آخر.
باستخدام الخوارزميات للتنبؤ بالتغييرات التي كان يجب أن تحدث في ظل نماذج مختلفة من الذكاء، لخّص الباحثون إلى أن أفضل ملاءمة هي التبادلية وهي فكرة أن القدرات المعرفية المختلفة تدعم بعضها البعض في حلقات التغذية الراجعة الإيجابية، في عام 2016 قدم أندرو كونواي وكريستوف كوفاكس حجة مختلفة لمشاركة العمليات المعرفية المتعددة في الذكاء، في نموذجهم الشبكات العصبية الخاصة بالتطبيقات.
تلك اللازمة لإجراء رياضيات بسيطة أو التنقل في بيئة على سبيل المثال، كذلك عمليات تنفيذية عالية المستوى للأغراض العامة مثل تقسيم المشكلة إلى سلسلة من الكتل الصغيرة التي يمكن التحكم فيها، يلعب كل منها دور في مساعدة الشخص على إكمال المهام المعرفية.
يجادل الباحثون بأن حقيقة أن مجموعة متنوعة من المهام تستفيد من نفس العمليات التنفيذية، هي التي تفسر سبب ارتباط أداء الأفراد في المهام المتباينة، كما أنها هي متوسط ​​قوة هذه العمليات ذات الترتيب الأعلى وليست قدرة فردية، قد يجعل المزيد من التقدم في مجال الاستخبارات التفاهم من خلال النظر للميزات من الدماغ التي تنفذ العمليات التنفيذية المعينة وليس من أجل مقعد واحد عامل كما يقول كوفاكس.
بينما يتصارع الباحثون مع ظاهرة الذكاء المستعصية، يبرز سؤال بيولوجوي؛ هل جنسنا البشري ذكي بما يكفي لفهم أساس ذكائنا؟ في حين أن العاملين في هذا المجال يتفقون على أن العلم أمامه طريق طويل لفهم طريقة تفكيرنا، يعبر معظمهم عن تفاؤل حذر بأن العقود القادمة ستسفر عن رؤى كبيرة.


شارك المقالة: